ـ[محمد بن إبراهيم الحمد]ــــــــ[20 Jun 2009, 07:45 م]ـ
[وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ]
هذا العنوان _كما لا يخفى_ جزء من آية من سورة الأعراف، وتمامها [وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ].
وقبلها قوله _تعالى_: [خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ].
فهاتان الآيتان وصية ربانية عظمى للتعامل مع الأعداء من الإنس والجن.
ولهما نظير في موضعين من القرآن الكريم، أحدهما: في سورة المؤمنون وهو قوله: [ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96) وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97)].
والثاني: في سورة فصلت، وهو قوله _تعالى_: [وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)].
والمقصود بيانه ههنا قوله _تعالى_ في سورة الأعراف: [وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ ... ] الآية.
ولقد تكلم المفسرون _رحمهم الله_ عن هذه الآية كغيرها، فأوضحوا معناها بياناً شافياً.
ومما قيل في ذلك: إن النزغ، والنغز بمعنىً واحدٍ، ومعناه: النخس.
فجاء تعبير القرآن البليغ بكلمة النزغ لما فيها من معنى النغز، والنخس، فكأن الشيطان يأتي بشيءٍ مُحَدَّدٍ ينخسه في الإنسان، ويغرزه فيه؛ ليثيره إلى ما لا يرضي الله _عز وجل_.
فذلك هو شعور الإنسان بالوسوسة والتثبيط عن الخير، أو الحث والإزعاج إلى الشر؛ فَأُمر _إذا وَجَدَ في نفسه تلك الخواطر_ أن يستعيذ بالله؛ فقد ضمن _جلا وعلا_ له أن يعيذه إذا استعاذ؛ لأنه هو الذي أمر بهذا، فبذلك تسلم نفسه من أن تغشاها غواشي السوء؛ فهذا معنى الآية.
وفي ذلك إشارة إلى أن نزغات الشيطان قد تزداد ثورتها في بعض الأحيان إذا صادف من الإنسان غفلة، أو شهوة، أو غضباً، أو فراغاً، أو أيَّ نوع من المثيرات التي تحرك فيه نوازع الشر.
ولهذا يجد الإنسان ذلك من نفسه؛ حيث تتحرك فيه تلك الدواعي، وتزيد في بعض الأوقات والأحوال؛ فجدير به إذا شعر بتلك النزغات أن يفزع إلى الاستعاذة بالله، وألا يستسلم ويسترسل مع تلك الخواطر.
وكلما اشتدت وطأة تلك الخواطر فليلجأ إلى الله طالباً منه العوذ، والنجاة.
وليعلم أن اشتداد الوطأة من الشيطان لا يلبث إلا فترة ثم يزول بإذن الله؛ فليبادر إلى الاستعاذة، وليتئد ويتريث؛ فلا يُقْدِمُ على ما زيَّنه له الشيطان.
وإذا هممت بأمر سوء فاتئد ... وإذا هممت بأمر خير فاعجل
ثم إذا ما أغواه الشيطان، وأزله، وأصاب منه _ فليستغفر، وليستدرك ما فَرُط منه بالتوبة، والحسنات الماحية.
وهذا ما أشار إليه قوله _عز وجل_: [إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ].
فهذا علاج رباني لنزغات الشيطان إذا ثارت ثوائرها.
ثم إنه يجدر بالإنسان أن يتقي تلك النزغات قبل حلولها، وذلك بالبعد عن المثيرات التي ينفذ منها الشيطان سواء مثيرات الغضب، أو الشهوة، أو نحوها؛ فإن مَثَلَ النفوس _بما جُبلت عليه من ميل إلى الشهوات، وما أودع فيها من غرائز تميل مع الهوى حيث مال_ كمثل البارود، والوقود، وسائر المواد القابلة للإشتعال؛ فإن هذه المواد وما جرى مجراها متى كانت بعيدةً عما يُشعل فتيلها، ويُذكي أوارها _ بقيت ساكنة لا يُخشى خطرُها، والعكس.
وكذلك النفوس؛ فإنها تظل ساكنة وادعة هادئة، فإذا اقتربت مما يثيرها، ويحرك نوازعها إلى الشرور من مسموع، أو مشموم أو منظور _ ثارت كوامنها، وهاجت شرورها، وتحرك داؤها، وطغت أهواؤها.
كما يجمل بالإنسان أن يبتعد عن المثيرات والنوازع التي تحرك شروره فكذلك يجمل به أن يصلح خواطره، وأفكاره، وذلك بتصحيح مسارها، وتوجيهها إلى ما ينفع، والبعد بها عن كل ما يضر.
¥