لاحظ مصطفى شاه أن إسهام قراء القرآن في إنشاء التراث اللغوي المبكر بقي مهملا ومتجاهلا في جلِّ الكتابات التي أرَّخت لنشأة العلوم اللغوية العربية، مثل كتب طبقات اللغويين والنحاة. ويرجع هذا التجاهل إلى أن مؤلفي هذه الكتابات كانوا في الغالب من أتباع إحدى المدرستين اللغويتين الكوفة أو البصرة، وهؤلاء قد مالوا إلى تأكيد استقلال إنجازهم اللغوي ومكانته المتميزة. وعلى الرغم من أن قراء القرآن كانوا الرائدين في إنشاء القواعد الأولى للتحليل اللغوي، فقد أهمل ذكرهم ونظر إليهم على أنهم يطبقون مناهج مهجورة وعتيقة الطراز في دراسة القرآن واللغة.

في هذا السياق يحاول مصطفى شاه أن يقدم مراجعة فاحصة للتراث اللغوي منذ بذوره الأولى، وللإسهام الذي قدمه قراء القرآن خصوصا. وقد تبين له أن العلوم اللغوية إنما نشأت بادئ ذي بدء لغاية أساسية هي خدمة النص القرآني، وأن روادها كانوا في ذلك الحين من قراء القرآن الذين اعتمدوا مقاربة وظيفية في دراسة اللغة: فصنفوا في الهجاء والرسم والنقط، كما أحصوا الاختلافات بين القراءات والمصاحف، كما قدموا بحوثا مهمة في الخصائص الصوتية للغة العربية وصلتها بتلاوة القرآن، إضافة إلى وضعهم لقواعد الوقف والابتداء.

لقد اعتبر القراء أنفسهم حفظةً لأداء القرآن، ومقاربتهم اللغوية كانت محكومة بمبدأ أساسي هو: «القراءةُ سنةٌ». ومع ذلك فقد برز في القراء أشخاص حاولوا أن يقدموا تفسيرات نظرية للخصائص اللغوية للقراءات القرآنية ويساهموا في بناء النحو النظري.

إن أدوات البحث اللغوية الذي استخدمت في تحليل الخصائص اللغوية للقراءات القرآنية وتفسيرها قد قامت في قسم كبير منها على الشعر العربي والأخبار ومأثورات الأعراب، ومن خلال هذه المادة قام القراء النحويون بتطوير نماذج للتحليل اللغوي أصبحت فيما بعد مثالا يحتذى في البحث النحوي. وكان من نتائج هذه النقلة المثيرة للجدل أن خضعت القراءات القرآنية للنقد وفقا للأعراف اللغوية المفترضة، ومن ثم للمطالبة بالإصلاح في بعض الحالات، على أن هذا لم يكن بدافع سيء، مطلقا، ولكنه الولع باللغة؛ وهذا بطبيعة الحال ما أدى إلى تقدم التفكير اللغوي العربي.

لقد كانت هذه المقاربة التجريدية البدائية للغة القرآن بداية للظهور التدريجي للتراث اللغوي في الكوفة والبصرة؛ التراث الأكثر حيوية واندفاعا نحو تشكيل نظرية عامة للغة، نظرية لا تنفك تعترف بأنها نشأت من أجل خدمة القرآن أساسا. على أن مدرستي الكوفة والبصرة لم تتخليا عن أنماط التأليف التي اشتغل بها القراء، بل صنفوا كذلك في: النقط والإعجام والهجاء والوقف والابتداء والإدغام والهمز واختلاف المصاحف ووجوه القراءات.

لقد استطاع مصطفى شاه من خلال دراسته هذه أن يقدم صورة واضحة عن تطور الفكر اللغوي العربي منذ بداياته الأولى وحتى المرحلة التي تبلور فيها على يد سيبويه وأقرانه خصوصا. وذلك من خلال درسه لإسهام قدامى القراء ومقاربتهم الوظيفية للغة، ثم من خلال بيانه الكيفيةَ التي تطور بها الفكر اللغوي في مدرستي الكوفة والبصرة، والإسهام الذي قدمه قراء المدرستين على نحو خاص في تطوير هذا الفكر وتوجيهه، وصولا إلى المرحلة التي استقل فيها الدرس النحوي واللغوي عن القراء، ونشأ التمييز الوظيفي الواضح بين القراء باعتبارهم حماةً وحفظة للنص القرآني وقراءاته، والنحويين باعتبارهم باحثين منظِّرين لخصائصه النحوية.

مواضيع المجلة

على الرغم من حداثة عهد المجلة فإنها استطاعت أن تعرض لقضايا كثيرة تتصل بجوانب مختلفة من علوم القرآن: من التفسير عموما والقصص القرآني خصوصا، والدراسات اللغوية والدلالية، ونظريات التأويل، وتاريخ التفسير وبعض اتجاهاته، والدراسات البلاغية والبيانية، كما أبدت اهتماما ملحوظا بالدراسات المتعلقة بترجمة القرآن وما يحيط بها من مشكلات وصعوبات.

أولا: الدراسات التفسيرية

وتشكل القسم الأكبر من المقالات التي نشرت في المجلة. وقد تناولت النص القرآني من جوانب عديدة:

أ- بنية السورة القرآنية:

نجد مقالات عديدة تناولت سورة بعينها من حيث وحدتها الموضوعية وتماسكها الدلالي، مثل:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015