مسألة سماع الموتى من المسائل الغيبية، ولأهل السنة فيها ثلاثة أقوال
والتحقيق في هذه المسألة أنها مرتبطة بالمشيئة فمن شاء الله أن يسمعه من الموتى أسمعه، ومن لم يشأ الله أن يسمعه فلن يستطيع أحد إسماعه كما قال تعالى: (إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من القبور)
فالله تعالى يسمع من يشاء من الموتى وغيرهم فدلت الآية على ربط هذا الإسماع بالمشيئة.
وهذه المسألة لها نظائر كثيرة تبينها
منها: حديث الأرواح في المنام، فإن النوم موتة صغرى، فمن شاء الله أن يبلغه في منامه حديث روح أخرى من عالم الأحياء أو الأموات أبلغه
وليس للعبد في ذلك مشيئة ولا اختيار، ولذلك كان القول الصحيح في وصية الميت إذا رؤي في المنام بشيء يتعلق بذمته بعد موته من إقرار بدين أو دلالة على مال ونحو ذلك أنها معتبرة بالتحري كما أجاز أبو بكر رضي الله عنه العمل بوصية ثابت بن قيس بعد موته
وكذلك ما يبلغ بعض الأحياء في منامهم من أحوال بعض الأموات إنما هو بإبلاغ الله تعالى فيسرون بما يكونون عليه من حال حسنة
وليس هذا في مقدور الرائي واختياره وإنما هو من إبلاغ الله تعالى له
وكان عبد الله بن عمر يسأل الله تعالى أن يريه والده في المنام بعد مقتله
ولا يلزم منه أن الرائي يعلم جميع أحوال الميت، فكذلك مسألة السماع لا يلزم ثبوت السماع في مسائل أن يسمع الميت سماعاً كاملاً، وإنما يسمع بمقدار ما يسمعه الله
ولذلك كان قول أكثر أهل السنة أن الأصل عدم سماع الموتى وأن ما يكون من سماع دلت عليه النصوص مخصوص من النفي العام وهذه طريقة في الاستدلال يغني عنها ما تقدم من التقرير وإن كان المؤدى واحداً.
ومن نظائرها أيضاً: قول الله تعالى: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) فالرمي المثبت غير الرمي المنفي
وكذلك قوله تعالى: (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم)
فاختلاف جهة الإثبات عن جهة النفي تفيدك بحقيقة المعنى المراد
فالذي يسلم على الميت ويخاطبه لا يسمعه بذلك، وإنما الذي يسمعه هو الله
وأما كيف يكون ذلك الإسماع فهو أمر غيبي لا نعلم كيفيته.
والله تعالى أعلم