وعلى كل حال فإني أذكر نفسي والأخوة الكاتبين في أبحاث الإعجاز العلمي بتقوى الله في كتابه وكلامه، وأن ينظروا في أنفسهم بإنصاف ملتزمين قوله تعالى ((ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً))، وأختم مقالي بما ينبغي على المشتغل بكتاب الله تعالى مراعاته والتزامه وبيان مراتب الناس في الاشتغال ببيان كتاب الله تعالى كما في كتاب علوم القرآن لشيخنا الدكتور نور الدين عتر حفظه الله إذ يقول:

((التحفظ من القول في كتاب الله تعالى إلا على بينة: باستيفاء العلوم التي ذكرناها فإن الناس في العلم بالأدوات المحتاج إليها في التفسير على ثلاث طبقات:

إحداها: من بلغ في ذلك مبلغ الراسخين كالصحابة والتابعين ومن يليهم، وهؤلاء قالوا في التفسير برأيهم مع التوقي والتحفظ، والهيبة والخوف من الهجوم، فنحن أولى منهم إن ظننا بأنفسنا أنا في العلم والفهم مثلهم.

الثانية [أي من طبقات الناس]: من علم من نفسه أنه لم يبلغ مبالغهم ولا داناهم، فهذا طرف لا إشكال في تحريم ذلك عليه، وسبيله أن يأخذ تفسيراً يدرسه بمراجعة العلماء.

الثالثة: من شك في بلوغه مبلغ أهل الاجتهاد أو ظن ذلك في بعض علومه دون بعض، فهذا أيضا داخل تحت حكم المنع من القول فيه، لأن الأصل عدم العلم، فعندما يبقى له شك أو تردد في الدخول مدخل العلماء الراسخين فانسحاب الحكم الأول عليه باق بلا إشكال، وكل أحد فقيه نفسه في هذا المجال، وربما تعدى بعض أصحاب هذه الطبقة طوره، فحسن ظنه بنفسه، ودخل في الكلام فيه مع الراسخين، ومن هنا افترقت الفرق، وتباينت النحل، وظهر في تفسير القرآن الخلل)) ا. هـ

ثم أكمل الشيخ الدكتور نور الدين باقي شروط المفسر ألخصها بالآتي:

"منها أن يعتمد المفسر على من تقدمه في التفسير وله في ذلك سعة، ومنها أن يكون على بال من الناظر والمفسر والمتكلم على القرآن أن ما يقوله من التفسير هو قول بلسان بيانه: هذا مراد الله تعالى من هذا الكلام، فليثبت أن يسأله الله تعالى: من أين قلت عني هذا؟ فلا يصح له ذلك إلا ببيان الشواهد وإلا كان باطلاً، ومنها أن يلاحظ المفسر في كلامه المنهجية في البيان وأن يتحرى في التفسير مطابقة المفسر ومنها أن يبين المفسر خطة تفسيره".

أقول: فهؤلاء الذين يرتجلون التفسير ويتعجلون المعاني دون تفكير ويتلقفون ما هب ودرج من النقول والنظريات دون تمحيص ولا تحقيق ثم يصدرونها في ما يسمى بأبحاث في التفسير و الإعجاز العلمي أين هم في هذا التصنيف، وأين أمانتهم في بيان كتاب الله تعالى، نعم لا أحد يستطيع أن يحجر على العقول التدبر بكتاب الله تعالى ولا أن يحجر على المتدبر فهم معاني القرآن الكريم بشكل صحيح، ولكن كلامنا هنا في الذين يكتبون ويشرقون ويغربون في كتاب الله بما يدخل وما لا يدخل في معانيه، ثم بعد ذلك يقال: إياك أن تعترض علينا لأنك إن فعلت فسنصفك بالمتزمت والمتحجر وبأنك تمنع حرية الرأي وأنك تحتكر فهم القرآن على الناس.

وأختم مقالتي بما ورد عن سلفنا الصالح في المهابة والحذر من الخوض في كتاب الله دون علم، ومن ذلك ما ورد عن سعيد بن المسيب أنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن قال: "أنا لا أقول في القرآن شيئا"، وكان سعيد إذا سئل عن الحلال والحرام تكلم، وإذا سئل عن تفسير آية من القرآن سكت، كأن لم يسمع شيئا.

ومنه: ما روي عن الشعبي أنه قال: "ثلاث لا أقول فيهن حتى أموت: القرآن، والروح، والرؤى"، وما روي عن محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة: يعني السلماني -وهو تابعي جليل- عن آية من القرآن فقال: "ذهب الذين كانوا يعلمون فيما أنزل القرآن، فاتق الله وعليك بالسداد"، وروي عن مسروق: أنه قال: اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن الله". إلى نحو ذلك من النقول، والله أعلم.

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[16 May 2009, 10:10 م]ـ

بارك الله فيك أخي مرهف السقا على هذه الكلمة الجيدة

ـ[ صلى الله عليه وسلمmara] ــــــــ[23 May 2009, 01:55 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

جزاك الله خيرا أخي الحبيب

و لعلي أسألك عن قولك أن المقرر لدى علماء التفسير أن الأصل في إعجاز القرآن هو الإعجاز البياني والبلاغي ..

على أي شيئ كان اعتمادهم في تقرير ذلك؟ ..

ثم إنك أخي الحبيب نسيت التنبيه إلى أقوال بعض المفسرين باللغة الخاطئة .. من ذلك من فسر "و إلى الارض كيف سطحت " أنها مسطحة .. و لعلك تجد في بعض التفاسير ردودا على من سبقها من التفاسير .. و إنما كان الخطأ لأنهم لم يثوروا آيات الله تعالى و أخذوها بظاهر ظنهم بها ..

و على كل فإني أرى أن لا يقال في القرآن إلا بعلم .. و لا أحسب عالما من تعلم اللغة و غفل عن غيرها و لا من تعلم بقية العلوم و غفل عن اللغة .. لأن القرآن من أين أخذته معجز .. و كل علم هو بالنسبة لمتدبر القرآن معين ..

و فقني و وفقكم الله

عمارة

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015