هذا التناسب يختلف عن التناسب الداخلي، إذ أن التناسب الداخلي إنما هو تناسب عناصر معينة داخل القرآن، أما هذا النوع من التناسب فيقصد به في هذا المضمار تناسب المعاني القرآنية مع عناصر أخرى خارج النص القرآني نحو الحوادث التي نزلت فيها الآيات أو الحقائق الواقعية التي يراد إثبات انطباق المعاني القرآنية عليها، وهذا التناسب الخارجي شديد الأهمية في دراسة الإعجاز العلمي؛ إذ أن إغفاله يودي أيضاً إلى الخطأ في إثبات هذا الإعجاز، وتفصيل ذلك كالآتي:-

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[12 May 2009, 09:49 م]ـ

/ مراعاة مقتضي الحال وأسباب النزول:-

من الأمور المهمة جداً في محاولة إدراك المعاني القرآنية ـ عند معالجة الإعجاز العلمي ـ مراعاة الحال الذي لا يمكن فهم الكلام فهماً سليماً بدونه، وما ذاك إلا لأن الكلام يختلف اختلافاً بيناً بحسب الأحوال والوقائع، واستحضار المقام يتم بأمور؛ منها معرفة أسباب النزول؛ يقول ابن تيمية: (معرفة أسباب النزول تعين على فهم الآية؛ فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب) ويقول ابن دقيق العيد: (بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن) ويقول الواحدي: (لا يمكن تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان سبب نزولها) ويقول السيوطي عن هذا العلم: (من فوائده الوقوف على المعنى و إزالة الإشكال) ويقول أيضاً: (وقد أشكل على جماعة من السلف معاني آيات حتى وقفوا على أسباب نزولها فزال عنهم الإشكال)

وليس معنى التركيز على أسباب النزول قصر الآية على الواقعة التي نزلت بها؛ إذ أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ أي أن المعنى يتعدى إلى الوقائع المشابهة، إلا أن معرفة أسباب النزول تعصم عن تعدي المعنى إلى الوقائع غير المشابهة؛ ولهذا كانت شديدة الأهمية في هذا المضمار؛ فمعرفة أسباب النزول تمنع من إقحام المعنى غير المناسب في الآية؛ ومن ذلك تفسير الكواكبي لقوله تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) بأنه يشير إلى أن القمر قد انشق وانفتق من الأرض كما أثبت العلم الحديث، ولكن سبب النزول ينفي ما ذهب إليه الكواكبي من معنى، كما أن الآية التي تلي تلك الآية التي استشهد بها مباشرة تؤكد أن الكافرين قد رأوا هذه الحادثة رأي العين ولم ينفوها؛ بل زعموا أنها ضرب من ضروب السحر؛ لئلا يعترفوا لمحمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة وبما أتى به من معجزات؛ قال تعالى: (وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرّ) ٌ؛ أي: سحر مطرد كغيره من الأمور التي جاء بها من قبيل السحر

وعن عبد الله بن مسعود أنه قال ـ في هذه الآية ـ: (بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى إذا انفلق القمر فلقتين؛ فكانت فلقة وراء الجبل وفلقة دونه؛ فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشهدوا)

ويقول ابن كثير: (قد اتفق العلماء مع بقية الأئمة على أن انشقاق القمر كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وردت الأحاديث بذلك من طرق تفيد القطع عند الأمة) وبعد هذا الانشقاق ـ الذي هو معجزة ظاهرة لم يختص بها أهل مكة بل جميع أهل الآفاق ـ قال الكفار: لئن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم؛ فاسألوا من يأتيكم من بلد آخر هل رأوا هذا؛ فسألوهم فأخبروهم أنهم رأوا مثل ذلك، وليس ذلك فحسب بل هنالك من الأدلة العلمية ما يؤكد وقوع هذه المعجزة

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[12 May 2009, 09:50 م]ـ

2/ دقة الربط بين الحقائق العلمية والمعاني القرآنية:-

سبق أن القرآن وعالم الحس متوافقان كل التوافق ولا يمكن أن يتناقضا إطلاقا؛ إذ أن القرآن كلام الله والكون خلق الله؛ ولا يمكن أن يناقض كلام الله تعالى خلقه؛ وليس معنى موافقة القرآن لعالم الحس موافقته بالضرورة لمعطيات العلوم الطبيعية التي لا زالت تتدرج في إدراكها لعالم الحس نحو اليقين، ولما كان الأمر كذلك _ فإنه يجب التعويل في هذا المضمار على الحقائق الثابتة يقيناً لا على معطيات العلم التي لم تثبت ولا على الفرضيات والنظريات، وإذا وجب الاعتماد على الحقائق الثابتة فإن ذلك الأمر أيضاً تكتنفه عدة أمور وهي:-

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015