ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[12 May 2009, 09:43 م]ـ

أولاً: مراعاة قانون العرب:-

من خصائص القرآن أنه عربي الأسلوب؛ قال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وقال: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وقال: (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا) وقال: (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ) وقال: (قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) وقال: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) وقال: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) وقال: (وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا)، ولهذا لا يجوز إطلاقاً تجاوز هذه الصفة عند التعامل مع القرآن بأي شكل من أشكال التعامل؛ سواء في الإعجاز العلمي أو في التفسير عموماً أو غير ذلك؛ ولهذا يقول الإمام الشاطبي: (كلّ معنى مستنبط من القران غير جار على اللسان العربي ـ فليس من علوم القران في شيء لا مما يستفاد منه ولا مما يستفاد به؛ ومن ادعى فيه ذلك فهو في دعواه مبطل) ويقول الإمام مالك: (لا أوتى برجل غير عالم بلغة العرب يفسر القرآن إلا جعلته نكالاً) فإذا تجاوز الإنسان هذه الصفة ولم يراع أحكامها ـ لم يكن ما يستخرجه من القرآن شيئاً ولا يعدّ علماً، فهذه الأحكام العربية تشكل معياراً عاماً يعرف به صحة الاستنباط أو عدمها، وبذلك تغدو هذه الأحكام إطاراً يؤمّن من الخطأ في تناول معاني القرآن، وعلي ذلك يجب على العالم الذي يتناول القرآن – أياً كان تخصصه – أن يكون عارفاً بهذه الأحكام العربية، ولا يمنع ذلك إطلاقاً من ظهور عمق جديد في المعنى لم يكن العربي القديم يعرفه؛ وهو أمر طبيعي؛ إذ أن أسلوب القرآن فيه من السعة والمرونة ما يجعل عجائبه دائمة مستمرة لا تنقضي، وهذا كله يقتضي مراعاة قانون هذه اللغة سواء في معرفة مفرداتها أو بلاغتها ونحوها؛ وتفصيل ذلك كالأتي:-

أ/ معرفة مفردات اللغة:-

نزل القرآن العظيم بلغة العرب؛ فاستخدم من المفردات ما يستخدمون وبمعانيها التي يعرفون، ولما كانت مفردات هذه اللغة الشريفة شديدة الدقة فقد اختار القرآن من المفردات ما هو أدل على المقصد الإلهي؛ ولهذا لا يمكن التعامل مع الإعجاز العلمي إلا بمعرفة معاني المفردات القرآنية بصورة دقيقة. إلا أن بعض الباحثين في الإعجاز العلمي لم يراع هذا القانون الشديد الأهمية؛ فذهب بعضهم إلى تفسير لفظ "قطر" في قوله تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) بأنه هو الخط الموصل بين نقطتين على المحيط ماراً بمركز الدائرة، وأن الأقطار لا تكون إلا على الدوائر؛ وهذا يدل ـ عنده ـ على كروية الأرض، ومثل ذلك أيضاً "السلطان" في الآية نفسها بأنه هو "العلم".

والحق أن كروية الأرض تثبته آيات أخرى، وقد أدرك الأقدمون ذلك كما سيأتي فلا داعي لإقحام هذه الآية التي لا تدل على الكروية من قريب ولا بعيد. لكن الكاتب تجاهل المعنى المقصود الذي تعرفه العرب وأخذ معنى القطر من الاصطلاح الهندسي الحادث الذي لا تعرفه العرب؛ والقطر ـ عند العرب ـ هو الجهة والناحية لا الخط المذكور الذي لا مبرر إطلاقاً لتفسير القطر به، قال تعالى: (وَلَوْ دُخِلَتْ عليهم مِّنْ أَقْطَارِهَا) أي: لو دخل عليهم الأعداء من كل جانب من جوانب المدينة ولهذا فإن معنى آية سورة الرحمن السابقة: إن استطعتم أن تجوزوا أطراف السموات والأرض فتعجزوا ربكم حتى لا يقدر عليكم فجوزوا، وقيل بل معنى ذلك: إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفدوا هاربين من الموت فإن الموت مدرككم ولا ينفعكم هربكم منه وأينما كنتم فإنكم لا تخرجون من سلطان الله أي: ملكه، فأنتم أينما نفذتم نفذتم في هذا السلطان الذي لا تستطيعون أن تنفذوا منه والمعنى أنكم لا تخرجون من ملك الله إلا إلى ملك الله

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015