وفي قوله تعالى: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) ص

والمحراب اسم مكان على غير قياس، من الفعل حارب، وهو كل مكان يحارب فيه الشيطان ويخصص للتفرغ فيه للعبادة؛ وقد جاء ذكره في هذه المواضع؛

عندما كانت مريم متفرغة للعبادة فيه، ودخل عليها زكريا عليه السلام.

وعندما كان زكريا يصلي فيه، وجاءته البشرى بيحيى عليهما السلام.

وعند خروجه لقومه منه، بعد أن قضى ليلته في العبادة فيه.

وعند تفرغ داود عليه السلام للعبادة فيه لما تسور الخصمان عليه المحراب.

وعلى ذلك كان ثبات ألف المد فيه.

ووردت "محاريب" بصيغة الجمع لمحراب مرة واحدة؛

في قوله تعالى: (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا ءَالَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ (13) سبأ

الحديث في هذه الآية عن عمل المحاريب وليس العبادة فيها؛ وهي من الأماكن الثابتة التي لا تفارق مواضعها، وليست كالأدوات التي يتجدد العمل بها، والانتفاع بها، لذلك لم تثبت ألف المد فيها، فوق أن أفراد الجمع يتوحدون بالدخول فيه ولا يتميز بعضهم عن بعض.

بسم الله الرحمن الرحيم

الكلمة السابعة والعشرون

حذف وإثبات ألف جاهد

ألف كل فعل على وزن تفاعل؛ يدل على اثنين أو طرفين أو شيئين يشتركان في الفعل.

وهذه ثلاثة أفعال فيها تصادم كبير وشديد بين طرفين أو فئتين، نعرضها في ثلاثة أبحاث؛

حارب وجاهد وقاتل، وبينها اختلاف في أسباب المجابهة والصدام والمواجهة؛

فحارب؛ فعل يوصف به من تقصد العداء لغيره، وكان سببًا في إشعال الحرب معه.

وقاتل؛ فعل يوصف به من صد من عاداه وحاربه، وثبت له؛ فأحدث بصده له قتالاً معه.

وجاهد؛ فعل يوصف به من لم يجد سبيلا لوقف وكف شر من وقف في سبيل دعوته؛ إلا الدخول في القتال معه.

الجهاد عمل حربي يقوم به المسمون لنشر دين الله في الأرض، ولا يشرع بالقتال فيه إلا بعد أن يعرض على غير المسلمين الإسلام أولاً، ويكون لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين، فإن أبَوا فيطلب منهم دفع الجزية، ويدخلوا تحت حماية المسلمين، وهذا الفعل يراد تبليغ الإسلام للناس، وحماية من يدخل في الإسلام من الفتنة على دينه، ولا يؤخذ منهم مال الزكاة الذي هو حق للعامة في مال الفرد؛ لأنه عباده، وهم لم يدخلوا في الإسلام، فيؤخذ منهم ما يجزئ عنها وهي الجزية.

فإن أبَوا فعليهم الاستعداد للقتال بعد ثلاثة أيام، والله تعالى يحكم بينهم بعد ذلك.

ولذلك فالجهاد ليس لبسط مد مساحة دولة الإسلام بزيادة رقعة أرضها، ولا لملء خزينة الدولة بالأموال، أو استعباد الناس وإذلالهم، إنما هو لحماية المسلمين من وجود قوى بجانبهم تهددهم، أو تفتن من يسلم عن دينه؛ فالجهاد قطع للشر والأذى عن المسلمين، ومن يكون تحت رعايتهم؛ وعلى ذلك سقطت الألف في جميع أفعال الجهاد كما سنرى.

والفرق بين حارب وجاهد أن الحرب تطاول من طرف على طرف، والاستعلاء عليه، ومدى الأذى إليه، وعليه كان إثبات الألف.

والجهاد لا يكون إلا بعد إشعار العدو بالحرب والطلب منه الاستعداد لها بعد ثلاثة أيام، ولا يقاتلون على غرة منهم قبل عرض عليهم العرض الثلاثة، ولذلك يساوى الفريقين في العلم بالحرب والاستعداد لها، مع الهدف من الجهاد وقف الكفر والشرك واستمرار قيامه في الأرض إرضاءً لله، وعليه أيضًا سقوط الألف.

ورد فعل "جَاهَد" بصيغة الماضي مرتين؛ وحذفت الألف فيهما؛

في قوله تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) التوبة.

وفي قوله تعالى: (وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ (6) العنكبوت

وورد فعل الماضي "جاهداك" المتصل بألف الاثنين في موضعين محذوفي الألف؛

في قوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) العنكبوت

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015