وفي قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الملك.

فأما إسقاط ألف تبارك في نهاية سورة الرحمن فقد كان بعد تمام تعداد نعم كثيرة لله تعالى لعلى خلقه، فكانت الخاتمة عن أمور مباركة سابقة الذكر، وعليه كان حذف الألف.

وأما إسقاطها ألفها في أول سورة الملك؛ فقد أشار الله تعالى على قدم ملكه مما عرف؛ بقوله تعالى: (وهو على كل شيء قدير) أي على تبديل ذلك وزواله وذهاب بركته، فعلم أن الحديث عن شيء سابق وبركة سابقة، وعليه كان حذف الألف.

بسم الله الرحمن الرحيم

الكلمة السابعة عشرة

حذف وإثبات ألف الأمثال

إن الله تعالى يضرب الأمثال للناس ليبين لهم أمورًا أخرى تفهم من ضرب هذه الأمثال، ولأخذ العبر منها، والاتعاظ بها، وقد نهي سبحانه وتعالى عن ضرب الأمثلة له؛ لأن الله عز وجل يعلم كل شيء على حقيقته، ولا يحتاج إلى من يبين له الأشياء حتى يعرفها ويعلمها، فالأمثال تضرب لتمد السامع بالفهم ولبيان وتوضيح أشياء أخرى غير الأمثال نفسها.

وقد ردت "الأمثال" بغير إضافة عشر مرات؛ ثبتت الألف في خمس منها، وحذفت في الخمس الأخرى؛

فثبتت في قوله تعالى: (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ (17) الرعد.

هذه الأمثال المضروبة في تفصيل الأمور لبيان الحق من الباطل، وبيان ما فيه خير فيمكث في الأرض، وتمتد منفعته، وما هو زبد مآله إلى الزوال، فلأجل إرادة التفصيل بهذه الأمثال كان ثبات ألفها.

وفي قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) إبراهيم.

وهذه المثال في هذا الموضع لأجل التفصيل بين الحق والباطل، والطيب والخبيث، والنافع والضار، والثابت والزائل؛ وعلى ذلك كان ثبات ألف الأمثال لأجل هذا التفصيل والمقارنة.

وفي قوله تعالى: (وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الأَمْثَالَ (45) إبراهيم.

والأمثال في هذا الموضع في التذكير بالمساكن التي بقيت من بعد هلاك أهلها، فلا تكن مساكنهم شاهدة من بعدكم على ما يحل بكم من الهلاك، وعلى ذلك كان ثبات ألفها.

وفي قوله تعالى: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (74) النحل.

نهي دائم من الله عز وجل للناس بألا يضربوا له الأمثال؛ مما يخطر لهم ويستجد عندهم؛ فإن الله يعلم وهم لا يعلمون، فعلى هذا النهي الدائم المتعلق بالمستقبل كان ثبات ألفها.

وفي قوله تعالى: (انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (48) الإسراء.

وحذفت في مثلها: (انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (9) الفرقان.

ويعود الحذف والإثبات في هذين الموضعين إلى معرفة تفاصيل الأمثال، فما سبق ذكره لا حاجة لإعادته، وما لم يذكر فالحاجة قائمة لمعرفته؛

فالأمثال في آيات الإسراء جاء بعد الآية؛

في قوله تعالى: (وَقَالُوا أَءِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) ...

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015