والجنة عالية في منزلتها ومكانها، فهي أعلى من النار ومن موقف الحساب، غير الكرامة التي هي لأهلها بالأمن والتنعم بالخيرات التي فيها، ورضوان من الله أكبر، وفوق كل ذلك، فعلى ذلك كان ثبات الألف فيها.

وقد سقطت ألف عاليها؛

في قوله تعالى: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) هود.

وفي قوله تعالى: (فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) الحجر.

وذلك أن عالي قرية قوم لوط عليه السلام تراجعت فأصبحت سافل القرية، وسافل القرية زاد وارتفع فصار عاليها؛ فما زاد ثبتت ألفه، وما تراجع وانخفض سقطت ألفه؛ وعلى ذلك كان سقوط ألف عاليها، وثبات ألف سافلها.

وحذفت كذلك ألف عاليهم؛

في قوله تعالى: (عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) الإنسان.

وقرأ نافع وأبو جعفر وحمزة: عالِيْهِم بتسكين الياء وكسر الهاء.

عاليهم بمعنى فوقهم، ولو كان القول عليهم؛ لأفاد الإخبار عما يلبسون، ولكن الله تعالى بقوله: عاليهم؛ بين أثر لباسهم عليهم، فجعله اسم فاعل لما أضاف لهم من جمال وهيئة، وهذا الأمر لهم وحدهم لا يمتد لغيرهم، وما غيرهم إلا في النار، وقد قطعت لهم ثياب من نار، ويصب من فوق رؤوسهم الحميم، نعوذ بالله من ذلك؛ فسقطت ألف عاليهم لأن هذا خاص بهم ولا يمتد إلى غيرهم، ولا يولد فيهم كبرياء ترفعهم على من معهم، وكل من معهم في الجنة مثلهم في الثياب والهيئة.

الكلمة التاسعة

بسم الله الرحمن الرحيم

حذف وإثبات ألف عامل وعاملة

ذكر عامل في أربعة مواضع؛ ثبتت ألف في موضع واحد فقط؛

في قوله تعالى: (قُلْ يَاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) الأنعام.

والعامل هو صاحب العمل ومن قام به، والحساب يقدر على ما كان منه من عمل؛ فالعاقبة تكون لمن ثبت عمله، وقُبل عند الله تعالى، فأدى ذلك له امتدادًا في الآخرة، وعلى ذلك ثبتت ألفه.

وحذف ألف عامل في ثلاثة مواضع؛

في قوله تعالى: (وَيَاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) هود.

وفي قوله تعالى: (قُلْ يَاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ (40) الزمر.

ويعود حذفها في هذين الموضعين؛ لإرادة التبليغ بثباته على العمل، وليس الامتداد فيه؛ لأن الامتداد فيه والزيادة عليه لا يعنيهم شيئًا، وأن أعمالهم لن تجلب لهم إلا الخزي والعذاب.

وحذفت في قوله تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ (195) آل عمران.

ويرجع الحذف إلى أن العمل يظل محفوظًا عند الله تعالى ولا يضيع منه شيء، بينما صاحب العمل ينساه في حياته من بُعد العهد به، أو بسبب كبر سنه، وسيفارقه بالموت، وعلى ذلك كان حذف ألفه.

وثبتت ألف عاملة بالتأنيث؛

في قوله تعالى: (عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) الغاشية.

النفس العاملة الناصبة هي التي قد أطالت السير والدأب في عملها، ناصبة نفسها من طول التطواف في النار بين نار وحميم آن، وصعود جبال فيها ونزول منها، ومحاولة دائمة للخروج من النار؛ على شدة ما تلاقي من التعب والإرهاق؛ فثبتت ألفها لعدم توقف العمل منها.

العامل هو من يقوم بعمل لجلب خير له، أو دفع شر عنه، لذلك لا يوصف الله سبحانه وتعالى بأنه يعمل، ولا يليق ذلك به عز وجل،.ويوصف بأنه يفعل؛ لأن الفعل هو من بالإرادة.

وحذفت ألف "عاملون" بالجمع في حالة الرفع في أربعة مواضع؛ على قاعدة عدم تمايز أفراد الجمع إلا بقرينة تدل على خلاف ذلك، لأن الجمع وحدهم وساوى بينهم؛

في قوله تعالى: (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) هود.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015