وأما ثباتها في قوله تعالى: (فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) القمر.

فلأن هذه الصاحب دام صحبته لهم؛ بالاستجابة لهم فيما أقدم عليه من أشد الأمور خطرًا، وقد نهوا عن مس الناقة بسوء؛ لئلا يصيبهم عذاب عظيم. فكان فعله إيذانًا بوقوع العذاب الذي هلكوا فيه.

وحذفت الألف في قوله تعالى: (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) الكهف.

لأن صاحب الجنتين ينظر إلى صاحبه؛ نظرة العزيز المكثر إلى الضعيف المقل؛ الذي حرم من امتداد الرزق والولد، فلم يمد من الولد والرزق بمثل ما مد به؛ فعلى ذلك كان حذف الألف.

وعندما زاد عليه صاحبه بثبات إيمانه؛ فثبتت ألف المد فيه خلاف الأولى؛

في قوله تعالى: (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (37) الكهف.

فحذف الألف في الأولى وإثباتها في الثانية؛ لا يأتي من اختلاف طرق الكتابة، ولا اختلاف تغير الكُتَّاب، وهي في قصة واحدة.

وحذفت في قوله تعالى: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) التوبة

الصِّدِّيق رضي الله عنه؛ هو أطول الصحابة صحبة، ورفقة للرسول صلى الله عليه وسلم؛ قبل النبوة، وبعدها، وفي طريق الهجرة، وفي كل المواقف بعد الهجرة، ودامت شدة القرب بينهما حتى في القبور بعد الموت؛ ومنزلته رضي الله عنه هي دون منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعدها مباشرة، وكان الصديق شديد الخوف والحزن على الرسول صلى الله عليه وسلم وهما في الغار؛ بينما كان الرسول عليه الصلاة والسلام مطمئنًا ثابت الجأش؛ فعلى ذلك كان حذف الألف لما اعتراه من خوف وجزن على النبي صلى الله عليه وسلم.

وحذفت في قوله تعالى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) الأنعام

وفي قوله تعالى: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا (3) الجن

الصاحبة لو كان لها وجود لما استقلت بنفسها، فهي تابعة لزوجها، فكيف إذا كانت في موضع نفي لوجودها؛ فعلى كان إسقاط الألف منها. وأسقطت كذلك؛

في قوله تعالى: (وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) المعارج

وفي قوله تعالى: (وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) عبس

لأنها مضافة إضافة تبعية، وهي في موضع التخلي عنها، والتضحية بها، فسقطت ألف المد فيها لأجل ذلك.

أما أصحاب فإن الألف قد سقطت فيها جميعًا؛ في (78) موضعًا، وذلك أن الجمع يلغي الفوارق بين الأفراد، وإن ثبتت هذه الفوارق، وتعددت المنازل؛ ثبتت ألفها؛

كما في قوله تعالى: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا (44) الأعراف.

فنرى أن الألف؛ تثبت لعلة، وتحذف لعلة، وأن الرسم القرآني قائم على المعاني التي تعرف من سياق الآيات الواردة فيها.

الكلمة السادسة

بسم الله الرحمن الرحيم

حذف وإثبات ألف طائفوردت طائف في القرآن الكريم مرتين؛ الأولى بالحذف، والثانية بالإثبات؛

في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) الأعراف.

وفي قوله تعالى: (فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) القلم.

في الموضع الأول؛ انقطع أثر مس الطائف من الشيطان بتذكر المصاب به، فأبصر بهذا التذكير، فسقطت لذلك الألف فيها لقطع مس الشيطان عنه.

وفي الموضع الثاني؛ دام أثرة الطائف الذي أرسل على الجنة؛ بأن أصبحت الجنة كالصريم، فثبتت لذلك ألف المد فيها.

فأثر الطائف من الشيطان منقطع.

وأثر الطائف من الله مستمر ودائم.

الكلمة السابعة

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015