الأصول العربية للتوراة العبرية

ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[27 صلى الله عليه وسلمpr 2009, 04:26 ص]ـ

الأستاذ. أحمد العلوي .. أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط

- - -

في سنة 1985 نشر الدكتور كمال الصليبي جملة من المقالات في جريدة "القبس" الكويتية تحت عنوان: "التوراة جاءت من جزيرة العرب"، وقد قصد من تلك المقالات أن يبرهن على وجود تشابه بين أسماء الأماكن والبقاع والربوع في الغرب من الجزيرة العربية وبين الأسماء المذكورة في التوراة العبرانية. ولعل غايته أن يوجه الصهاينة إلى تلك الجهة أو أن يصرفهم عن فلسطين.

لا مانع عندنا من قيام ذلك التشابه، لكن الذي نسبه كمال الصليبي هو أن الأسماء نقلت من الكتاب المذكور إلى الأرض لا العكس، وأن الحوادث المذكورة في ذلك الكتاب، وما يتصل بها من أمكنة وأشخاص، أنها كانت أمثالا وتفاسير، ولم تكن تاريخا للأرض.

هذه أولى.

الثانية: أن التشابه في الأسماء دليل على الأصل العربي للتوراة العبرانية المعروفة. ماذا نقصد؟

نقصد أن ذلك الكتاب العبراني الذي يزعم الزاعمون أن الحضارة الغربية قامت عليه أصله كتاب عربي، وأنه ليس إلا ترجمة عنه، كيف؟

أولا: نلاحظ أن اسم الكتاب العربي، وأن مترجمه إلى العبرانية عجز عن ترجمته، كما كان من مترجم الأركانون لأرسطو، فإنه ترجم الكتاب ولكنه أبقى على الاسم اليوناني عنوانا للكتاب، الاسم العربي الباقي هو "التوراة". هذا الاسم لا أصل له في اللغة العبرانية، ولا يدرك معناه بها، إنه مشتق من "ورى، يوري" العربية وليس إلا مصدرا لذلك الفعل ومصدره "التوراة والتورية".

وإليك ما جاء عن ذلك في لسان العرب لابن منظور "قلب دار إذا تغشى بالشحم والسمن، وأوريته ... وكذلك وريته تورية ... وناقة وارية أي سمينة ... هو من وريت النار تورية إذا استخرجتها ... والتوراة عند أبي العباس تفعلة ... الفراء في كتابه في المصادر: التوراة من الفعل التفعلة كأنها أخذت من أوريت الزناد ووريتها فتكون تفعلة في لغة طيء، لأنهم يقولون في التوصية توصاة، وللجارية جاراة، وللناصية ناصاة ... قال البصريون: توراة أصلها فوعلة ... والأصل ووراة". (1) ومن البين أن البصريين انخدعوا في هذا بالشائع عن عبرانية الكتاب الأصلية، فتمحلوا في الاستخراج الصرفي، أما ما قاله أبو العباس، وما قاله الفراء الكوفي، فلا يحتاج إلى دليل لأنه هو نفسه دليل.

بقي أن نعرف المقصود من تسمية الكتاب بالاسم العربي "توراة".

إن جملة المعاني الواردة في مادة "وري" من لسان العرب لابن منظور رحمة الله عليه ترجع إلى التضخم والتوسيع والتسمين والاستخراج والتعظيم. فالذي يوري أو يوري يحول المورى إلى أمر مرئي محصل بالحواس. إن معنى اسم التوراة على هذا هو التبيين، ولا فرق بين اسم "التوراة" العربي وبين الاسم الآخر العربي "التورية" المعروفة في البلاغة. التورية تبين بأسلوب بلاغي، والتوراة تبيين لم يخصص لمعنى اصطلاحي، وإن كان بقي مع رفيقه أخوين مشتقين من أصل واحد هو "وري" العربي.

إذن اسم التوراة عربي لم يستطع أن يترجمه مترجم التوراة عن العربية، إما عن جهل وإما عن قصد. وإنه لدليل مشكك وكاف، مشكك لأنه يشكك في النسبة العبرانية للكتاب، وكاف لأنه عربي، ولا أثر له ولا لمثله في العبرانية، ولا معنى له في هذه اللغة فهو غريب فيها، لكننا مع ذلك لن نعده كافيا، وسنتسامح في ذلك لكفاية أدلة أخرى، فنحن هنا كالذي كثرت أدلته فهو يتسامح فيها ويؤخر بعضها ويبطل بعضها جدلا لا علما واعتقادا.

ما هي الأدلة الأخرى؟ ها هي سنستخرجها من نصوص الكتاب نفسه.

الحجة الأولى: قوله: "وهاأرتس هيت طهو وبهو" "سفر التكوين"، الطبعة العبرانية، 1967، مكتبة كولبو، باريز.

إن هذه الطبعة التي نعود إليه هنا، والتي هي من أصح الطبعات المعترف بها لأنها صححت تحت إشراف الحزان الأكبر "زادوف كاهن"، وهو الذي أشرف على الترجمة الفرنسية المصاحبة لها، إنها تترجم الجملة العبرانية بما معناه في العربية "وكانت الأرض خلاء فوضى". إن هذه الترجمة تدل على أن كلمة "طهو" وكلمة "بهو" لا حضور لها في العبرانية، إذ لو كان لها حضور لترجم معناه بالدقة المطلوبة، والحال أن لا صلة للكلمتين بالمعنى التقريبي الذي يذكره لها المفسرون والمترجمون. إن هاتين الكلمتين شأنهما كشأن كلمة "توراة"، إنها دليل النقل

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015