ـ[شاكر]ــــــــ[26 صلى الله عليه وسلمpr 2009, 05:18 م]ـ
لقد بُعث رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بهذا الدين , وأخصب بلاد العرب وأغناها ليست في أيدي العرب ;
إنما هي في يد غيرهم من الأجناس!
بلاد الشام كلها في الشمال خاضعة للروم , يحكمها أمراء من العرب من قبل الرومان.
وبلاد اليمن كلها في الجنوب خاضعة للفرس يحكمها أمراء من العرب من قبل الفرس. .
وليس في أيدي العرب إلا الحجاز ونجد وما إليهما من الصحارى القاحلة ,
التي تتناثر فيها الواحات الخصبة هنا وهناك!
وكان في استطاعة محمد [صلى الله عليه وسلم] وهو الصادق الأمين ;
الذي حكمه أشراف قريش قبل ذلك في وضع الحجر الأسود , وارتضوا حكمه , منذ خمسة عشر عاما ;
والذي هو في الذؤابة من بني هاشم أعلى قريش نسبا. .
كان في استطاعته أن يثيرها قومية عربية تستهدف تجميع قبائل العرب , التي أكلتها الثارات , ومزقتها النزاعات ,
وتوجيهها وجهة قومية لاستخلاص أرضها المغتصبة من الإمبراطوريات المستعمرة ;
الرومان في الشمال والفرس في الجنوب ;
وإعلاء راية العربية والعروبة ; وإنشاء وحدة قوية في كل أرجاء الجزيرة. .
ولو دعا يومها رسول الله [صلى الله عليه وسلم] هذه الدعوة لاستجابت له العرب قاطبة - على الأرجح –
بدلا من أن يعاني ثلاثة عشر عاما في اتجاه معارض لأهواء أصحاب السلطان في الجزيرة!
وربما قيل:
إن محمدا [صلى الله عليه وسلم] كان خليقا بعد أن يستجيب له العرب هذه الاستجابة ;
وبعد أن يولوه فيهم القيادة والسيادة ; وبعد استجماع السلطان في يديه والمجد فوق مفرقه. .
أن يستخدم هذا كله في إقرار عقيدة التوحيد التي بعثه بها ربه ,
وفي تعبيد الناس لسلطان ربهم بعد أن عبدهم لسلطانه!
ولكن الله - سبحانه - وهو العليم الحكيم , لم يوجه رسوله [صلى الله عليه وسلم] هذا التوجيه!
إنما وجهه إلى أن يصدع بلا إله إلا الله: وأن يحتمل هو والقلة التي تستجيب له كل هذا العناء!
لماذا؟
إن الله - سبحانه - لا يريد أن يعنت رسوله والمؤمنين معه. .
إنما هو - سبحانه - يعلم أن ليس هذا هو الطريق. .
ليس الطريق أن تخلص الأرض من يد طاغوت روماني أو طاغوت فارسي. . إلى يد طاغوت عربي. .
فالطاغوت كله طاغوت!. .
إن الأرض لله , ويجب أن تخلص لله. ولا تخلص لله إلا أن ترتفع عليها راية:"لا إله إلا الله". .
وليس الطريق أن يتحرر الناس في هذه الأرض من طاغوت روماني أو طاغوت فارسي. . إلى طاغوت عربي. .
فالطاغوت كله طاغوت!
إن الناس عبيد لله وحده , ولا يكونون عبيدا لله وحده إلا أن ترتفع راية: "لا إله إلا الله". .
"لا اله الا الله" كما كان يدركها العربي العارف بمدلولات لغته:
لا حاكمية إلا لله ,
ولا شريعة إلا من الله ,
ولا سلطان لأحد على أحد , لأن السلطان كله لله. .
ولأن الجنسية التي يريدها الإسلام للناس هي جنسية العقيدة ,
التي يتساوي فيها العربي والروماني والفارسي وسائر الأجناس والألوان تحت راية الله.
وهذا هو الطريق. .
وبُعث رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بهذا الدين ,
والمجتمع العربي كأسوأ ما يكون المجتمع توزيعا للثروة والعدالة. .
قلة قليلة تملك المال والتجارة ; وتتعامل بالربا فتضاعف تجارتها ومالها.
وكثرة كثيرة لا تملك إلا الشظف والجوع. .
والذين يملكون الثروة يملكون معها الشرف والمكانة ;
وجماهير كثيفة ضائعة من المال والمجد جميعا!
وكان في استطاعة محمد [صلى الله عليه وسلم] أن يرفعها راية اجتماعية ;
وأن يثيرها حربا على طبقة الأشراف ;
وأن يطلقها دعوة تستهدف تعديل الأوضاع ورد أموال الأغنياء على الفقراء!
ولو دعا يومها رسول الله [صلى الله عليه وسلم] هذه الدعوة ,
لانقسم المجتمع العربي صفين: الكثرة الغالبة فيه مع الدعوة الجديدة , في وجه طغيان المال والشرف.
بدلا من أن يقف المجتمع كله صفا في وجه: "لا إله إلا الله" التي لم يرتفع إلى أفقها في ذلك الحين إلا الأفذاذ من الناس.
وربما قيل:
إن محمدا [صلى الله عليه وسلم] كان خليقا بعد أن تستجيب له الكثرة ;
وتوليه قيادها ; فيغلب بها القلة ويسلس له مقادها. .
أن يستخدم مكانه يومئذ وسلطانه في إقرار عقيدة التوحيد التي بعثه بها ربه ,
وفي تعبيد الناس لسلطان ربهم بعد أن عبدهم لسلطانه!
ولكن الله - سبحانه - وهو العليم الحكيم , لم يوجهه هذا التوجيه. .
لقد كان الله - سبحانه - يعلم أن هذا ليس هو الطريق. .
كان يعلم أن العدالة الاجتماعية لا بد أن تنبثق في المجتمع من تصور اعتقادي شامل ;
يرد الأمر كله لله ;
ويقبل عن رضى وعن طواعية ما يقضي به الله من عدالة في التوزيع ,
ومن تكافل بين الجميع ; ويستقر معه في قلب الآخذ والمأخوذ منه أنه ينفذ نظاما يرضاه الله ;
ويرجو على الطاعة فيه الخير والحسنى في الدنيا والآخرة سواء.
فلا تمتلى ء قلوب بالطمع , ولا تمتلىء قلوب بالحقد ;
ولا تسير الأمور كلها بالسيف والعصا ; وبالتخويف والإرهاب!
ولا تفسد القلوب كلها وتختنق الأرواح ; كما يقع في الأوضاع التي نراها قد قامت على غير:"لا إله إلا الله". .
يتبع بإذن الله تعالى
¥