أولها: أحاديث في فضلها: فقد استفاضت الأحاديث في فضل هذه السورة عن النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نذكر بعضها، فمن تلكم الأحاديث المتضمنة فضل هذه السورة ما رواه البخاري وغيره عن أبى سعيد ابن المعلّى رضى الله عنه: أنه كان يصلى فناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبه فلما فرغ أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما منعك أن تأتيني إذ دعوتك وفى رواية ما منعك أن تجّيبني»، قال: يا رسول الله كنت أصلي، قال: «ألم يقل الله»: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ? [الأنفال:24]، قال: بلا، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «لأعلمنك أعظم سورة»، فانطلق يمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغ الباب قال يا رسول الله وعدتني أن تعلمني أعظم سورة قال: «نعم، ?الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ?، فإنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أتيته»، وفى بعض طرق هذا الحديث جاء قوله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا فى القرآن مثلها».

ومنها ما رواه مسلم والنسائي عن ابن العباس رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جبرائيل فسمع نقيضا من فوقه (أي صوتا) فرفع جبريل رأسه فقال هذا باب من السّماء فُتح لم يفتح قط فنزل منه ملك فقال أبشر (يعنى الرسول صلى الله عليه وسلم) أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لم تقرأ حرفا منهما إلا أُتِيتَه»، وراجعوا تفسير ابن كثير فقد جمع الكثير من الأحاديث الدالة على فضل هذه السورة

:

أما الوجه الثاني وهو تفسير هذه السورة تفسيرا عاما

فنبدأ أولا: بمعنى قوله تعالى: ?بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ?:

هل هذه البسملة آية من القرآن كلّه؟ أو هي آية من سورة الفاتحة خاصة؟ أو هي آية من كل سورة؟ أو أنها آية من القرآن الكريم جيء بها للفصل بين السورة والتي تليها؟ والعلماء متفقون على أنّها بعض آية من سورة النمل: ?إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ? [النمل:30]، إذن هي بعض آية من سورة النّمل وهذه الأقوال ذكرها ابن كثير، والذي نميل إليه أنها آية من القرآن كله جيء بها للفصل بين السورة والتي تليها ويدل لذلك ما رواه أبو داود وغيره عن ابن العباس رضى الله عنهما أو ابن سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يعرف بداية السورة ونهاية التي قبلها إلا حين ينزل عليه ?بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ?.

الباء للاستعانة أي أبدأ مستعينا، والإسم مأخوذ من الوسم وهو العلامة، فإسم كل شيء علامة عليه وكما تعلمون من الأسماء العلم فمحمد أو أحمد أو بكر أو عمر أعلام، لما سمي بها والإسم إسم لإسم الله، اسم هذا هو اسم الرب سبحانه وتعالى الذي لم يشركه فيه أحد ومعناه ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين فهو متضمن توحيد الألوهية ?بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ? إسمان للحق جل علاه وهما عَلَمَان ويدلان على إتصاف الرب سبحانه وتعالى بصفة فما هي؟ نعم، الرحمة لكن الرحمان ذو الرحمة العامة التي ينالها جميع المخلوقات حتى إبليس ينال نصيبه منها والكفار ينالون نصيبهم منها رحمة عامة، ومن رحمة الله عز وجل على الكفار والظلمة أنه لم يعاجلهم بالعقوبة لحكمة. والرحيم ذو الرحمة الخاصة، بمن؟ بالمؤمنين يوم القيامة كما قال تعالى: ?وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً? [الأحزاب:43]، فرحمته سبحانه وتعالى بالمؤمنين، هذه خاصة يوم القيامة أنه ينزلهم مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وهم في ضيافته سبحانه وتعالى، وفى الدنيا من خاص رحمته بالمؤمنين التثبيت على الحق، النصر على الأعداء، العزة والتمكين إلى غير ذلك مما يختص به المؤمنين. وإجمال هذه البسملة يبدأ بها للتبرك ?بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ? أي أتبرك وأستعين بهذا الإسم العظيم إسم الرب سبحانه وتعالى ?بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ? وقد شرعت التسمية في مواضع: منها الوضوء لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه»، لكن لا يقول ?بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ? يقول «بسم الله»، و [عند دخول الخلاء] () «بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا» وعلى الطعام «بسم الله»، هذه بعض المواضع التي شرعت فيها التسمية، وتجب مع الذكر عند الوضوء أو فى الوضوء وعلى الذبيحة وتسقط مع النسيان، هذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى.

?الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ?:

أولا: الحمد هو الثناء على الرب سبحانه وتعالى بما هو أهله من الكمال والجلال والجمال وألف ولاّم ?الْحَمْدَُ? لإستغراق الجنس أي الحمد الكامل المطلق الخالص بالله سبحانه وتعالى، فقد يُحمَد المخلوق لكن حمد المخلوق ناقص ليس كاملا، أما حمد الرب سبحانه وتعالى هو كامل لا ينقص. ويذكر ابن جرير رحمه الله أو جاء ابن جرير رحمه الله كما ذكر ابن كثير أن بدأ الله سبحانه وتعالى هذه السورة بالحمد فيه أمر للعباد بأن يحمدوه، الله سبحانه وتعالى بدأ هذه السورة بماذا؟ بالحمد فيه أمر منه لعباده أن يحمدوه.

للشيخ عبيد بن عبد الله الجابري

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015