12 ـ قال جل وعلا في افتتاح سورة البقرة: (آلم).

هذه الحروف الهجائية اختلف العلماء فيها، وفي الحكمة منها على أقوال كثيرة يمكن حصرها في أربعة أقوال:

القول الأول: أن لها معنى، واختلف أصحاب هذا القول في تعيينه: هل هو اسم لله عز وجل أو اسم للسورة أو أنه إشارة إلى مدة هذه الأمة أو نحو ذلك.

القول الثاني: هي حروف هجائية ليس لها معنى إطلاقاً.

القول الثالث: لها معنى الله أعلم به، فنجزم بأن لها معنى ولكن الله أعلم به لأنهم يقولون: إن القرآن لا يمكن أن ينزل إلا بمعنى.

القول الرابع: التوقف، وألا نزيد على تلاوتها ونقول: الله أعلم: ألها معنى، أم لا وإذا كان لها معنى فلا ندري ما هو.

وأصح الأقوال فيها القول الثاني وهو أنها حروف هجائية ليس لها معنى على الإطلاق وهذا مروي عن مجاهد، وحجة هذا القول: أن القرآن نزل بلغة العرب وهذه الحروف ليس لها معنى في اللغة العربية مثل ما تقول: ألف، باء، تاء، ثاء، جيم، حاء. . .، فهي كذلك حروف هجائية.

أما كونه تعالى اختار هذا الحرف دون غيره، ورتبها هذا الترتيب فهذا ما لا علم لنا به.

هذا بالنسبة لذات هذه الحروف، أما بالنسبة للحكمة منها فعلى قول من يعين لها معنى فإن الحكمة منها: الدلالة على ذلك المعنى مثل غيرها مما في القرآن.

وأما على قول من يقول: (ليس لها معنى)، أو: (لها معنى الله أعلم به) أو: (يجب علينا التوقف) فإن الحكمة عند هؤلاء على أرجح الأقوال وهو الذي اختاره ابن القيم، وشيخ الإسلام ابن تيمية، واختاره تلميذه الحافظ الذهبي، وجمع كثير من أهل العلم هو الإشارة إلى بيان إعجاز القرآن العظيم، وأن هذا القرآن لم يأت بكلمات، أو بحروف خارجة عن نطاق البشر وإنما هو من الحروف التي لا تعدو ما يتكلم به البشر ومع ذلك فقد أعجزهم.

فهذا أبين في الإعجاز لأنه لو كان في القرآن حروف أخرى لا يتكلم الناس بها لم يكن الإعجاز في ذلك واقعاً لكنه بنفس الحروف التي يتكلم بها الناس ومع هذا فقد أعجزهم، فالحكمة منها ظهور إعجاز القرآن الكريم في أبلغ ما يكون من العبارة، قالوا:

ويدل على ذلك أنه ما من سورة افتتحت بهذه الحروف إلا وللقرآن فيها ذكر إلا بعض السور القليلة لم يذكر فيها القرآن لكن ذُكر ما كان من خصائص القرآن:

فمثلاً قوله تعالى: (كهيعص) ليس بعدها ذكر للقرآن ولكن جاء في السورة خاصية من خصائص القرآن وهي ذكر قصص من كان قبلنا: (ذكر رحمت ربك عبده زكريا).

كذلك في سورة الروم قال تعالى في أولها: (الم * غلبت الروم) فهذا الموضع أيضاً ليس فيه ذكر للقرآن ولكن في السورة ذكر شيء من خصائص القرآن وهو الإخبار عن المستقبل: (غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين).

وكذلك أيضاً قوله تعالى: (الم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) ليس فيها ذكر القرآن ولكن فيها شيء من القصص الذي هو أحد خصائص القرآن: (ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا).

فهذا القول الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية واختاره جمع من أهل العلم هو الراجح: أن الحكمة من هذا ظهور إعجاز القرآن في أبلغ صوره، حيث أن القرآن لم يأت بجديد من الحروف ومع ذلك فإن أهل اللغة العربية عجزوا عن معارضته وهم البلغاء الفصحاء. ص22 ـ 24.

13 ـ قال الله جل وعلا: (ذلك الكتاب لا ريب فيه)

أشار إليه سبحانه بأداة البعيد (ذلك) لعلو منزلته لأنه أشرف كتاب، وأعظم كتاب، وإذا كان القرآن عالي المكانة والمنزلة، فلا بد أن يعود ذلك على المتمسك به بالعلو والرفعة، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (ليظهره على الدين كله) وكذلك ما وُصف به القرآن من الكرم، والمدح، والعظمة فهو وصف أيضاً لمن تمسك به. ص 25، ص28.

14 ـ من القواعد الهامة في فهم وتفسير القرآن:

أنه يجب علينا إجراء القرآن على ظاهره، وأن لا نصرفه عن الظاهر إلا بدليل، مثل قوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) فهذه الآية ظاهرها خبر لكن المراد بها الأمر لأنه قد لا تتربص المطلقة فما دمت تريد تفسير القرآن الكريم فيجب عليك أن تجريه على ظاهره إلا ما دل الدليل على خلافه، وذلك لأن المفسر للقرآن شاهد على الله بأنه أراد كذا وكذا وأنت لو فسرت كلام بشر على خلاف ظاهره للامك هذا المتكلم، وقال: لماذا تحمل كلامي على خلاف ظاهره! ليس لك إلا الظاهر، مع أنك لو فسرت كلام هذا الرجل على خلاف ظاهره لكان أهون لوماً مما لو فسرت كلام الله، لأن المتكلم غير الله ربما يخفى عليه المعنى، أو يعييه التعبير، أو يعبر بشيء ظاهره خلاف ما يريده، فتفسره أنت على ما تظن أنه يريده، أما كلام الله عز وجل فهو صادر عن علم، وبأبلغ كلام، وأفصحه، ولا يمكن أن يخفى على الله عز وجل ما يتضمنه كلامه فيجب عليك أن تفسره بظاهره. ص26 ـ 27.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015