ومن تجارب السالكين التي جربوها فألفوها صحيحة أن من أدمن: [يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت] ()، أورثه ذلك حياة القلب والعقل، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه شديد اللهج بها جداً وقال لي يوماً: لهذين الاسمين -وهما الحي القيوم- تأثير عظيم في حياة القلب، وكان يشير إلى أنهما الاسم الأعظم وسمعته يقول: من واظب عليها أربعين مرة كل يوم بين سنة الفجر وصلاة الفجر [يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت برحمتك أستغيث] () حصلت له حياة القلب ولم يمت قلبه ().

ومن علم عبوديات الأسماء الحسنى والدعاء بها وسر ارتباطها بالخلق والأمر وبمطالب العبد وحاجاته؛ عرف ذلك وتحققه، فإن كل مطلوب يُسْأل بالمناسب له. فتأمل أدعية القرآن والأحاديث النبوية تجدها كذلك.

ب- وأما معرفة الأيام: فيحتمل أن يريد به أيامه التي تخصه وما يلحقه فيها من الزيادة والنقصان ويعلم قصرها وأنها أنفاس معدودة منصرمة، كل نَفَسٍ منها يقابله آلاف آلاف من السنين في دار البقاء، فليس لهذه الأيام الخالية قط نسبة إلى أيام البقاء والعبد منساق زمنه وفي مدة العمر إلى النعيم أو إلى الجحيم وهي كمدة المنام لمن له عقل حي وقلب واع، فما أولاه أن لا يصرف منها نَفَساً إلا في أحب الأمور إلى الله فلو صرفه فيما يحبه وترك الأحب لكان مفرطاً، فكيف إذا صرفه في ما لا ينفعه؟! فكيف إذا صرفه فيما يمقته عليه ربه؟! فالله المستعان ولا قوة إلا به.

ويحتمل أن المراد بالأيام أيام الله التي أمر رسله بتذكير أممهم بها كما قال تعالى: ((لَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)) [سورة إبراهيم 5] وقد فُسِّرَت أيام الله بنعمه، وفسرت بنقمه من أهل الكفر والمعاصي، وأيامه تعم النوعين، وهي وقائعه التي أوقعها بأعدائه ونعمه التي ساقها إلى أوليائه، وسميت هذه النعم والنقم الكبار المتحدث بها أياماً لأنها ظرف لها، تقول العرب فلان عالم بأيام العرب وأيام الناس أي: بالوقائع التي كانت في تلك الأيام.

فمعرفة هذه الأيام توجب للعبد استبصار العِبَر وبحسب معرفته بها تكون عبرته وعظته.

ج- أما السلامة من الأغراض: وهي: متابعة الهوى. والانقياد لداعي النفس الأمارة بالسوء. فإن اتِّباع الهوى يطمس نور العقل، ويعمي بصيرة القلب، ويصد عن اتباع الحق، ويضل عن الطريق المستقيم، فلا تحصل بصيرة العبرة معه البتة، والعبد إذا اتَّبع هواه فسد رأيه ونظره، فأرته نفسه الحَسَن في صورة القبيح، والقبيح في صورة الحسن، فالتبس عليه الحق بالباطل؛ فأنى له الانتفاع بالتذكر والتفكر أو بالعظة.

2 - وإنما تجتنى ثمرة الفكرة بثلاثة أشياء: أحدها: قصر الأمل، والثاني: تدبر القرآن، والثالث: تجنب مفسدات القلب" ().

3 - "وأما أفعاله ومخلوقاته- سبحانه- ففي الذي أشهدناه عبرة لما لم نشهده، والغائب من جنس الشاهد، وذلك لأن المماثلة ثابتة في المفعولات، كما قال تعالى: ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون،فلو لم يكن الغائب من أفعاله تعالى نظيرا للشاهد لم يجز رده، ... !! فكيف إذا كان الغائب نظير الشاهد، حيث أشهدنا إبداع الجواهر وصفاتها بعد عدمها، يا سبحان الله أيما أبلغ في عقل الإنسان!! إبداع الإنسان بعد عدمه؟ أم إبداع طينته التي خُلق منها بعد عدمها؟؟ فإذا كان قد شهد هذا الجوهر العظيم الموصوف بصفات الكمال بعد عدمه، أفليس ذلك أعظم من إبداع تراب أو ماء بعد عدمه؟ والله سبحانه وتعالى لما خلق السموات والأرض خلق آدم آخر المخلوقات، كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة ()، ومن خلق آخر المخلوقات لم يمكنه أن يشهد خلق نفسه، ولا ما خلق قبله، كما قال تعالى: ((ما أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا)) [الكهف:51] وله فيما شهده في المخلوقات عبرة فيما لم يشهده" ().

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015