ولا شك أن من يؤمن بهذه الآيات؛ فالإيمان بما احتواه هذا الحديث عليه أيسر وأولى، إذ كيف يصدق العقل مكالمة البشر للدواب، وتصريفه للريح، واستخدام الجن والشياطين وتصفيدهم، ثم بعد ذلك كله ينكر إمكانية أن يمده الله بهذه القوة الجسدية.

ثم كيف يمكن لسليمان عليه السلام أن يقوم بتدبير تلك المملكة المترامية الأطراف والأتباع من الإنس والجن والطير، وكيف يمكن له عليه السلام إحصاؤهم واكتشاف الهدد المتغيب عن حضور الجند، هل يرفض العقل أن يكون هذا النبي الكريم عليه السلام قد أوتي من القوة في الجسم ما لم يؤته الله إلا لمن علم هو سبحانه من عباده.

ولا شك أن قلة العقل واتباع الهوى؛ سبب في هذا الاضطراب والتردد عند الكاتب، فهو يصف في بداية كلامه على هذا الحديث سليمان عليه السلام بأنه " نبي عظيم " (55) ثم بعد ذلك ينكر بعض جوانب تلك العظمة التي خصها الله تعالى بمن شاء من عباده.

ولذلك فإن العلماء قد جعلوا هذا الحديث دليلاً على كمال الأنبياء عليهم السلام بخلاف فهم الكاتب الذي رأى أن ذلك غير لائق بالأنبياء:

قال العيني: " وفيه ما كان الله تعالى خص به الأنبياء من صحة البنية وكمال الرجولية، مع ما كانوا فيه من المجاهدات في العبادة. والعادة ـ في مثل هذا لغيرهم ـ الضعف عن الجماع. لكن خرق الله تعالى لهم العادة في أبدانهم، كما خرقها لهم في معجزاتهم وأحوالهم، فحصل لسليمان عليه الصلاة والسلام من الإطاقة أن يطأ في ليلة مائة ... وليس في الأخبار ما يحفظ فيه صريحاً غير هذا إلا ما ثبت عن سيدنا رسول الله أنه أعطي قوة ثلاثين رجلاً في الجماع (56) ... وكان إذا صلى الغداة دخل على نسائه فطاف عليهن بغسل واحد ثم يبيت عند التي هي ليلتها (57) وذلك لأنه كان قادراً على توفية حقوق الأزواج وليس يقدر على ذلك غيره مع قلة الأكل" (58).

الشبهة الرابعة: هل يمكن أن سليمان عليه السلام قد توقف بعد ذلك، حتى يرى ما أمل من الأبناء:

قال الكردي: " إذا كان سليمان قد ترك قول (إن شاء الله) عامداً (59) في تلك الليلة، أفلم يجامع بعد ذلك أحداً من نسائه المائة في الليالي التالية؟ فكيف لم تحمل أي منهن؟ أم أنه توقف عن الجماع لمدة تسعة أشهر حتى يرى نتيجة جماعاته في تلك الليلة؟! " (60).

فالجواب على هذه الشبهة:

أن ما يسأل عنه الكاتب هنا، جوابه في متن الحديث الذي يُنكره، فإن آمن به وصدق؛ فإنه لا محالة سيعلم أن سليمان عليه السلام لم يلد له من تلك النسوة من هذا الجماع سوى امرأة ولدت شق رجل، أما ما كان بعد ذلك فلم يرد النص فيه، ولا خبر فيه عن الرسول صلى الله عليه وسلم فأنى له بالوصول إليه، ولا يمكن للعقل أن يصل للأخبار الغيبية إلا بالسمع.

وليس الجهل به قادحٌ في صحة هذا الحديث، بل السؤال مقلوب عليه فيقال: هل طاف (61) سليمان عليه السلام بعد ذلك بنسائه؟، وهل عنده خبر عن ما حدث بعد ذلك من تفاصيل.

وأختم هذا الحديث بالصلاة والسلام على النبي الكريم سليمان بن النبي الكريم داود عليهما السلام وبقوله تعالى في مدحه والثناء عليه: (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب) [ص: 30].والله تعالى أعلم ... 2/ 4 / 1430هـ

ــــــــــــــــ

الحواشي:

(1) صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب من طلب الولد للجهاد: (6/ 41) برقم (2819).

(2) وهو عبد الحسين شرف الدين الموسوي.

(3) انظر كتاب: أبو هريرة لعبد الحسين الموسوي: (74).

(4) انظر: فتح الباري: (6/ 530 ـ 531).

(5) السابق: (6/ 531).

(6) السابق: (6/ 531).

(7) السابق: (6/ 531 ـ 532).

(8) السابق: (6/ 532). والرواية في البخاري في كفارات الأيمان: باب الاستثناء في الأيمان: (22/ 193) رقم (6720).

(9) انظر فتح الباري: (6/ 532).

(10) انظر السابق: (6/ 532).

(11) السابق: (6/ 533).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015