وَاخْتَارَ مِنْهُمْ الْخَلِيلَيْنِ إبْرَاهِيمَ وَمُحَمّدًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِمَا وَآلِهِمَا وَسَلّمَ. وَمِنْ هَذَا اخْتِيَارُهُ سُبْحَانَهُ وَلَدَ إسْمَاعِيلَ مِنْ أَجْنَاسِ بَنِي آدَمَ ثُمّ اخْتَارَ مِنْهُمْ بَنِي كِنَانَةَ مِنْ خُزَيْمَةَ ثُمّ اخْتَارَ مِنْ وَلَدِ كِنَانَةَ قُرَيْشًا ثُمّ اخْتَارَ مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ ثُمّ اخْتَارَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ سَيّدَ وَلَدِ آدَمَ مُحَمّدًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.
وَكَذَلِكَ اخْتَارَ أَصْحَابُهُ مِنْ جُمْلَةِ الْعَالَمِينَ وَاخْتَارَ مِنْهُمْ السّابِقِينَ الْأَوّلِينَ وَاخْتَارَ مِنْهُمْ أَهْلَ بَدْرٍ وَأَهْلَ بَيْعَةِ الرّضْوَانِ وَاخْتَارَ لَهُمْ مِنْ الدّينِ أَكْمَلَهُ وَمِنْ الشّرَائِعِ أَفْضَلَهَا وَمِنْ الْأَخْلَاقِ أَزْكَاهَا وَأَطْيَبَهَا وَأَطْهَرَهَا. وَاخْتَارَ أُمّتَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ كَمَا فِي " مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ " وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْتُمْ مُوفُونَ سَبْعِينَ أُمّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللّهِ قَالَ عَلِيّ بْنُ الْمَدِينِيّ وَأَحْمَدُ حَدِيثُ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ صَحِيحٌ.
وَظَهَرَ أَثَرُ هَذَا الِاخْتِيَارِ فِي أَعْمَالِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ وَتَوْحِيدِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ فِي الْجَنّةِ وَمَقَامَاتِهِمْ فِي الْمَوْقِفِ فَإِنّهُمْ أَعْلَى مِنْ النّاسِ عَلَى تَلّ فَوْقَهُمْ يُشْرِفُونَ عَلَيْهِمْ وَفِي التّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ الْأَسْلَمِيّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَهْلُ الْجَنّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفّ ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الْأُمّةِ وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ قَالَ التّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَاَلّذِي فِي " الصّحِيحِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حَدِيثِ بَعْثِ النّارِ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنّي لَأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنّةِ يُقَالَ هَذَا أَصَحّ وَإِمّا أَنْ يُقَالَ إنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ طَمِعَ أَنْ تَكُونَ أُمّتُهُ شَطْرَ أَهْلِ الْجَنّةِ فَأَعْلَمَهُ رَبّهُ فَقَالَ إنّهُمْ ثَمَانُونَ صَفّا مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ صَفّا فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَاَللّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْ تَفْضِيلِ اللّهِ لِأُمّتِهِ وَاخْتِيَارِهِ لَهَا أَنّهُ وَهَبَهَا مِنْ الْعِلْمِ وَالْحِلْمِ مَا لَمْ يَهَبْهُ لِأُمّةِ سِوَاهَا وَفِي " مُسْنَدِ الْبَزّارِ " وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيث ِ أَبِي الدّرْدَاءِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ إنّ اللّهَ تَعَالَى قَالَ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ: إنّي بَاعِثٌ مِنْ بَعْدِكَ أُمّةً إنْ أَصَابَهُمْ مَا يُحِبّونَ حَمِدُوا وَشَكَرُوا وَإِنْ أَصَابَهُمْ مَا يَكْرَهُونَ احْتَسَبُوا وَصَبَرُوا وَلَا حِلْمَ وَلَا عِلْمَ قَالَ يَا رَبّ كَيْفَ هَذَا وَلَا حِلْمَ وَلَا عِلْمَ؟ قَالَ أُعْطِيهِمْ مِنْ حِلْمِي وَعِلْمِي.
[اخْتِيَارُ الْبَلَدِ الْحَرَامِ وَبَيَانُ خَصَائِصِهِ]
وَمِنْ هَذَا اخْتِيَارُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ الْأَمَاكِنِ وَالْبِلَادِ خَيْرَهَا وَأَشْرَفَهَا وَهِيَ الْبَلَدُ الْحَرَامُ فَإِنّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اخْتَارَهُ لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَعَلَهُ مَنَاسِكَ لِعِبَادِهِ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ الْإِتْيَانَ إلَيْهِ مِنْ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ مِنْ كُلّ فَجّ عَمِيقٍ فَلَا يَدْخُلُونَهُ إلّا مُتَوَاضِعِينَ مُتَخَشّعِينَ مُتَذَلّلِينَ كَاشِفِي رُءُوسِهِمْ مُتَجَرّدِينَ عَنْ لِبَاسِ أَهْلِ الدّنْيَا.
¥