ثانياً: كلام الميداني صحيح فهذا توجيه من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في البخاري ومسلم عن بن عباس رضي الله عنهما قال:

" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَالِجُ مِنْ التَّنْزِيلِ شِدَّةً وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا لَكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّكُهُمَا وَقَالَ سَعِيدٌ أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى

{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}

قَالَ جَمْعُهُ لَكَ فِي صَدْرِكَ وَتَقْرَأَهُ

{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}

قَالَ فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ

{ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}

ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَرَأَهُ"

أما قولك:

في الحقيقة هذا التأويل غريب، فأن يُحشر في السورة ما ليس من موضوعها لهذا الغرض لم أفهمه! كيف يجوز في كتاب الله؟

أما استغرابك فلا محل له لأن الله تعالى لا معقب لحكمه فله أن يربي رسوله صلى الله عليه وسلم متى شاء، سواء كانت هذه التربية متناسبة مع موضوع السورة أو غير متناسبة. ولهذا قولك: كيف يجوز في كتاب الله؟ عبارة غير موفقة.

أما تساءلك:

وما زلت أتساءل عن حكمة إدراج هذه الآيات في هذه السورة، دون جعلها في سياق سورة أخرى تتحدث عن القرآن صراحة، كسورة الفرقان مثلاً وغيرها؟ مع يقيني الذي لا شك فيه أن هذه الآيات إنما موقعها المناسب لها هو هنا في سورة القيامة! وأن ترتيب الآيات قطعي بالإجماع! وإن خفي علي وعلى غيري مناسبتها فالله جل جلاله أعلم بكتابه وأحكم! ولكني في حاجة إلى بيان! وأعوذ بالله من المراء في القرآن! فأفيدونا جزاكم الله خيراً! كيف ترون موقع هذه الآيات من سياقها؟

أخوكم عبد الله المدني المغربي عفا الله عنه.

فأقول:

إن مناسبة هذه الآيات لموضوع السورة قوية جداً، فالسورة تتحدث عن قدرة الله تعالى التي أستبعدها الكفار وهي قدرة الله تعالى على بعث الإنسان وجمع ذرات جسده وعظامه، كما هو في قوله تعالى:

(أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)) سورة القيامه

وقدرته تعالى على تسوية بنانه، وقدرته على جمع الشمس والقمر.

وهذه الآيات جاءت متناسبة مع سياق السورة في الحديث عن قدرة الله تعالى، كيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم يتلقى الآيات وقد تكون سورة كاملة بأخبارها وأحكامها واختلاف مواضيعها ثم يفصم عنه الوحي ثم إذا هي قد استقرت في قلبه يتلوها كما أنزلت.

ثم إن هناك ملحظ آخر وهو:

وهو أن المناسبة مع أنها تحتاج إلى دقة حتى يدركها السامع أو التالي للقرآن ولهذا تكلم فيه المفسرون،إلا أن التالي للقرآن لا يشعر أن السورة قد خرجت عن سياقها.

ولو كان هذا في كلام البشر لأدركه السامع أو القارىء لأول وهله.

لكنه كلام الله الذي "لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ" سورة فصلت (42)

هذا والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.

ـ[عبد الله المدني]ــــــــ[20 Mar 2009, 12:42 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

أخي الحبيب محب القرآن .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك .. كلامك كله حق، وقد أفدتني شهد الله كثيراً .. فلك من الله الجزاء الأوفي. ومعاذ الله لست ممن يعترض على كلام الله، وقد نصصت عليه في مشاركتي الأولى .. وإنما كنت أحب أن أفهم الإشكال إن استطعت وإن لم أتمكن فأقول: آمنت بالله وبكلامه كله كما جاء عن رسوله صلى الله عليه وسلم!

والحديث المفق عليه الذي تكرمت بإيراده هو عين ما روته كتب التفسير، إلا أن الإشكال أنه ليس فيه معنى الاعتراض الذي تحدث عنه الميداني ومن قبله الرازي رحمة الله عليهما .. فهل حدث فعلا ذلك أثناء نزول سورة الواقعة بالصورة التي حاكاها الرازي والميداني؟ الله أعلم! فالحديث ليس نصا بتعبير الأصوليين على ذلك! وأما قولك: (إلا أن التالي للقرآن لا يشعر أن السورة قد خرجت عن سياقها. ولو كان هذا في كلام البشر لأدركه السامع أو القارىء لأول وهله!) فهو في غاية الروعة! بارك الله فيك! ولعله يكون بابا إن شاء الله للتوصل إلى حكمة السياق الخفي! وما قلته قبل ذلك من المناسبات شيء حسن غير مرفوض. ولعل الله يفتح لك بما هو أحسن ..

وجزاك الله خيرا .. أخوك عبد الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015