ـ[أبوالوليد السقطي الشهري]ــــــــ[17 Mar 2009, 01:48 ص]ـ
من فوائد العلماء في قوله تعالى ((فبعث الله غراباً))
((فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [المائدة: -31}
هذه الأية تستفاد منها عدة دروس جليلة. منها:
1 – أن المعلم قد يكون أدنى مستوى من المتعلم.
2 – الإنتفاع بالأمم الأخرى ومافطرها الله عليه من تدبير لشؤونها. فالطير والبهائم وغيرها أممً أمثالنا {قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام:38].
وهذه الأمم لها تدابير فطرها الله عليه ولذلك تتكاثر وتنمو ويزداد عددها , وتصل إلى حوائجها. ونحن محتاجون إليها في كثير من الأمور , فكثير من الأدوية لانستطيع استخدامها إلا بعد تجريبها على هذه الأمم. ثم إن تجارب هذه الأمم في شؤونها هي أقرب إلى فطرة والسلامة , غير معقدة , ولاتحتاج إلى كيماويات ولامركبات , مما يدل على أن الحياة الفطرية أقوى للبدن من غيرها. فنحن نستفيد من هذه الأمم في المسائل وغيرها.
3 – الارتباط بهذه الأرض , فقد خلقها الله لهذا الجنس البشري , جعلها كفاتا ً لهم , وجعل فيها من الرزق مايكفي البشر جميعا مهما زادوا أو كثروا , وتحديد النسل جورٌ على الأرض إذ فيها مايكفي البشر.
4 - أن تسيير البشر ليس مثل غيرهم من الأمم , فالله يسير بنوعين من أنواع التسيير:
أ – تسييرُ مباشر ليس للمسير فيه دخل , كالإلهام للبهائم.
ب - تسييرً على وفق الأسباب , وهو تابع لسنة أخرى هي سنة ربط الأسباب بمسبباتها , وعلى ذلك أغلب أعمال البشر. ولذلك فالبشر ليسوا مثل الملائكة والجن حتى لو اشتركوا في التكاليف , فالتكاليف تختلف.
فالإنس يسيرون في الغالب على وفق السنن.
ولذلك فإن الله ألهم الغراب الدفن , وكان قادراَ على أن يلهم ابن ادم , ولكنه جعله يتعلم مما يرى ليٌعمل عقله الذي ميز به عن الحيوان , وليكون إدراكه على وفق سنة التعلم التي هي من السنن الكونية.
5 - تدبير دقائق الكون هو من أمر الله سبحانه وقدرته البالغة , فهذا الغراب لم يذهب من تلقاء نفسه , ولم يره ابن ادم صدفة , بل جاء بعناية الله ((فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً)) فهو مبعوث في مهمة ولو لم يشعر بذلك في خاصة نفسه.
وهنا بحث أهل العلم في هذا النوع من الأسباب , إذا سير الله بعض البهائم أو الجمادات ليأخذ منهم الناس عبراً هل يكون لها علم بما بُعثت له؟
فذهب البعض إلى أن الله يطلعها على ذلك ليكون لها شرف الأستاذية , كما أنها مكلفة بالصلاة والتسبيح
((أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ)) النور 41.
قال بعضهم: فاعل (علم) هو الله , أي: علم الله تسبيح هذه المخلوقات وصلاتها.
وقال البعض: بل ضمير الفاعل يعود على (كل) , أي: علم كل صلاة نفسه وتسبيح نفسه. وهذا القول الثاني استدل له الرازي بأمر دقيق , وهو أن هذه الجمادات والبهائم التي لاتعقل إذا جيء بها في هذا المعرٍِض أعيد عليها الضمير العاقل. كما في الأية. ونظير ذلك وصفها بجمع المذكر السالم ((ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)) 11 فصلت.
فدل ذلك على أن السموات والأرض كانت تعقل.
6 – اختلاف السوأة بإختلاف الأحوال. وذلك أن السوأة في اللغة مايسوء الإنسان أن يُنظر إليه , فتطلق على العورة للحي , لكن بالنسبة للميت كله سوأة لآنه لايحب أن يطلع الناس على شيء من بدنه , ولذلك فالمراد بسوأة أخية جميع بدنه.
7 – أن الأخوة الإنسانية لا تنقطع بالإعتداء والظلم , فالله سماه أخاه بعد قتله.
ـ[الباحث محمد عبيدالله]ــــــــ[17 Mar 2009, 05:27 ص]ـ
بارك الله فيك يا ابا الوليد
هذه هي الصِرفة التي بُعثت مع الرسول محمد عليه السلام ومنها انطلق بحث فقه الحروف , وسوف اشرحُها ان شاء الله في موضِعها 0
5 - تدبير دقائق الكون هو من أمر الله سبحانه وقدرته البالغة , فهذا الغراب لم يذهب من تلقاء نفسه , ولم يره ابن ادم صدفة , بل جاء بعناية الله ((فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً)) فهو مبعوث في مهمة ولو لم يشعر بذلك في خاصة نفسه.