الإحتمال. قال تعالى (أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ)، لكنه لايقع في البصيرة ولا عند الملامسة بعين القلب أو بالملامسة الحسية حيث عندها فقط يزول اي احتمالٍ للشك والزيغ وقد كان مثال الامام الشعراوي في هذا التدرج في النار التي أجمع اكثر اهل التفسير على انها المراد من وعيد الله عزوجل بعذاب الناروالذي كنى عنه باليقين، فقال (رحمه الله) علم اليقين ان يخبرك من لايُشَك في صدقه ولم يعهد عنه الكذب ان النارتحرق وتؤلم وعين اليقين ان ترى شخصا يمد يده الى النار فتحرقه وتكويه فيتألم فترى ذلك بام عينك وذلك هو عين اليقين،وحق اليقين ان تضع انت يدك في النار فتكويك وتتالم جراء ذلك، وذلك هو حق اليقين الذي لايحتمل الشعور به شك ولاتشكيك.

وبعد هذه المقدمة التفصيلية عن اليقين واذا ما أردنا ان نطابق هذا المفهوم على واقع الأمة اليوم وما تعيشه من من احداث، فأننا سنتمكن قطعا من معرفة بعض الحقائق التي يسعى الكثيرون الى طمسها او التعتيم عليها بما يملكون من وسائل، و سنتمكن لاشك من التثبت من صحة الكثير من الاخبار التي تردنا الينا يوميا على مافيها من تناقض وعموميات وماهو مفبركٌ منها لاظهار الحقيقة على خلافها وما هو صحيح وموثوق ومنطقي، و مثالاً على ذلك فعندما نقلب صفحات التاريخ على اختلاف مراحله ومصادره وعلى اختلاف ازمنته وامكنته التي يصف لنا احداثها، نرى بانه ما من إحتلالٍ على وجه الارض الاوقد واجه مقاومة من نوعٍ ما وعلى درجات متفاوته من الشدة، من قبل الشعوب التي وقع عليها الإحتلال. ان هذه الحقيقة تمكننا من ان نضع تصوراً أولياً عن اي شخص او جهةٍ تقول بعدم وجود مقاومةٍ في هذا البلد او ذاك نهائياً لانه بذلك يلغي يقيناً من اليقينيات التاريخية التي تقع ضمن دائرة علم اليقين، ذلك ان التاريخ وكما يذكر لنا اهل الاحترف من المؤرخين لايكذب في جملته. وكذلك يذكر لنا التأريخ انه ما من خائن او عميلٍ او متعاونٍ مع المحتل الاوقد خسر وخاب ولحقه عارُ ما اقترفت يداه في نهاية المطاف مهما احرز من مكاسب مادية في ظل الاحتلال. وكذلك فأنك لاتجد معتدياً الاولعدوانه واحتلاله نهاية وغالباً ماتكون مأساوية له ولمن تبعهُ من الغاوين، وهذا باختصار من علوم اليقين التاريخية والتي هي موثوقةً باعتبار ماذكر عن مصداقية جملة التأريخ وباعتبار المشاهدات العيانية لابآئنا واجدادنا في الماضي القريب. وعن عين اليقين وماعاصرناه في جيلنا هذا من هزائم نكراء للروس في افغانستان وللاميركان في الصومال وللعدو الصهيوني في بعض اجزاء فلسطين واطرافها والتي من المؤسف انهم لم يتعلموا من دروسها شيئاً ولعل قادم الدروس سيكون ابلغ لهم علهم يتعلمومن منها شياً، كل ذلك يقع في دائرةِ عين اليقين والمشاهدات التي لايستطيع ان ينكرها عاقل بادنى درجات العقل الانساني. وأما عن حق اليقين فان بامكاننا ان نسال عنه من اكتووا بناره من جنود الإحتلال وقادته الميدانيين الذي تتعالى صرخاتهم يوما بعد آخر عن ظرورة الانسحاب من العراق وافغانستان ومايرووه عن ان الحرب هناك خاسرة ولاطائل من اعطاء المزيد من الخسائر قبل الاضطرارالى (سحب جنودنا من على اسطح المباني في المناطق الخضراء) على حد تعبيرهم وان المعارك هناك لن تحسم عسكرياً ولابدمن حل سياسي ولابد من حوار مع المقاومة (التي انكروا وجودها بادئ الامر) وان خسائر حلف الناتو في افغانستان والامريكان والبريطانيين في العراق اصبحت الناطق الرسمي بأسم هزيمتهم التي لاحت بوادرها في الافق للأحمق قبل العاقل، وان تقهقر الكيان الصهيوني ومغازلته لرموز العمالة في فلسطين المحتلة ليس الاتعبيراً خجولاً عن حق اليقين الذي لمسوه على يد المقاومة الاسلامية الباسلة على اختلاف عناوينها ورموزها.

وهكذا يمكن للباحث عن الحقيقة ان يصل اليها اذا ما عرف أولاً كيف يميز بين السراب والحقيقة ومن ثم يرتب حقيقة القين على مراتبها الصحيحة ووفق مفهومها القرآني المعجِز، ان يتوصل الى اليقين على اعلى صوره ومراتبهِ وبأخصر الطرق واسلمها بعيداً عن الضنون والانفعالات والاوهام والعواطف المبالغ بها احياناً والتي تحمل صاحبها على تلقي اشارات خاطئة تبتعد به عن الحقيقة.

كما ان مفهوم اليقين قد ارتبط بالايمان بالله عز وجل ارتباطا لم يدع جراء الاقتصار عليه من قبل الكثير من الدعاة الى الله، مجالا لاستعماله في ابواب اخرى كالباب الذي اشرنا اليه اليوم ولاشك أن مكمن الترابط قائمٌ ايظاً في ان اليقين بالحقيقة سواءَ كانت حقيقة الايمان او حقيقة الخبر، يريح المتيقن راحة لايشعر بها سواه.

نسال الله تعالى ان يرزقنا الهداية واليقين لايحرمنا بفضله شفاعة سيد المرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم).

وآخردعوانا ان الحمد لله رب العالمين

أشرف الملاحمي – العراق

14 - ربيع الأول-1430هـ

الموافق11 - 3 - 209م

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015