فإن الجواب: نعم، هو كما قلت، وإن الأمر الذي كان يطلبه النبي صلى الله عليه وسلم من الخلوة هناك؛ نراه استبدله بالاعتكاف في المسجد، فما عُهِد عنه صلى الله عليه وسلم أنه تحنَّث في جبل بعد النبوة، مع ما ثبت من محبته صلى الله عليه وسلم لجبل أحد مثلاً.

وهذا فيه تنبيه لمن يعظم أمر التحنث في الجبال، أو يدعيه من الشرع، وهو ليس كذلك.

.

يبدو أن للعلو أثره في صفاء النفس ونقائها وهذا أمر يلحظه من يرقى قمم الجبال ويرسل عينيه في الأفق الفسيح الممتد بلا حدود ثم ينظر إلى ما تحته من الأرض وما عليها من شخوص فيرى قدرة الخالق وعجيب صنعه في ارتفاع الجبال وتعرج الأودية والشمس ترسل عليها أشعتها في الصباح الباكر فتفوح الأودية بنسيمها البارد فتملأ الجو عبقا يسري في النفوس فيبعث فيها الحياة والنشاط، ثم إذا ما انتصف النهار أو قارب والهبت الشمس بطاح مكة* وجبالها رأيت قصة أخرى تشعر النفس الإنسانية بعجزها وافتقارها ويصبح أكبر الهم ظلا يقي ذلك اللهيب المنبعث من كل مكان وشربة ماء تطفئ حرارة الفؤاد، ثم ما تلبث الشمس أن تميل إلى جهة الغرب فإذا ما تضيفت للغروب رأيت منظرا يعجز اللسان عن وصفه.

أما إذا ما جن الليل وأرخى سدوله وأظلمت الدنيا فلم تعد ترى من معالمها شيئا فارفع رأسك إلى السماء في ليلة يغيب فيها القمر وتأمل بديع صنع الخالق في صفحة السماء المرصعة بتلك النجوم المتلألئة والتي تبعث في النفس مشاعر لا حصر لها ربما حينها ستدرك لماذا كان يخلو النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة إلى تلك القمة العالية مما يسمى بجبل النور.

أما لماذا لم يفعل ذلك بعد النبوة فأقول وهذا اجتهاد مني:

أولا: ربما لأن الآيات القرآنية التي يتلوها القائم بين أربعة جدر مع حضور القلب والتأمل والتفكر والتدبر تفتح على النفس البشرية من مشاهد عظمة الخلق الدالة على عظمة الخالق ما تعجز العين عن إدراكه بالنظر المباشر.

ثانيا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان ليفعل إلا ما أمره الله به وشرعه له، ولو افترضنا أن ذلك كان إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فربما تركه لأنه لا يريد أن يشق على أمته وقد ترك بعض الأمور خشية أن يشق على أمته مثل ترك الخروج مع كل غازية وتركه الخروج لصلاة التراويح.

هذا والله أعلم

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.

*ذكرت مكة لأني قد عشت أجوائها في الصباح الباكر وقبل الغروب من أعلى جبل خندمة فذكرتها وإلا فأنا بن الجبال فموطني بلاد غامد من سراة الحجاز.

ـ[تيسير الغول]ــــــــ[06 Jul 2010, 09:22 ص]ـ

أظن أن الإيواء الى الكهوف والمغائر للتدبر أو الفرار من الإعداء كان هو دأب الأنبياء كذلك. فقد آوى النبي عليه الصلاة والسلام الى غار حراء للتعبد والمناجاة. وأوى أيضاً الى غار ثور هرباً من بطش قريش. وكذلك أصحاب الكهف الذي آووا الى كهفهم هرباً من بطش ملكهم. وكذلك عيسى عليه السلام كما ذكرت الروايات. وغيرهم الأنبياء. والجدير بالذكر أن الكهف يختلف عن الغار بالمعنى إذ إن الكهف تجويف أعمق وأكبر حجماً من الغار والذي يكون عادة تجويفاً صغيراً طبيعياً ليس من فعل فاعل.

ـ[عصام المجريسي]ــــــــ[06 Jul 2010, 12:40 م]ـ

سؤال تأملي جميل وتأملات أجمل

الحقيقة أن للجبال - في المنظور القرآني - علاقتها بالأرض كلها وما فيها ومن فيها ومنهم الأنبئاء عليهم السلام.

وجواب هذا السؤال سيتضح أكثر إذا اطلعنا على " الجبال " في القرآن، فوصف القرآن للجبال وصف لافت من جهات.

وذلك في النقاط التالية، وأرجو أن لا أخل بها في هذا الاختصار:

- فهي - الجبال - مع الإنسان منذ هبوط آدم (جبل عرفة) إلى قيام الساعة (الأعراف) ..

- وهناك تصريح يقرن أرض الرسالات بالجبال (سورة التين) انظر ابن كثير: الذي جعل [سيناء / سينين: الطور، والشام: ساعير: ومكة: فاران] .. والجودي مع نوح، وتنقل إبراهيم بين الجبال (على كل جبل) مع الطيور تنقل مجهد! وهؤلاء هم أولو العزم من الرسل!. إذا بقي باق من غيرهم فهو استثناء أو تبع لهؤلاء الرسل كما هو معلوم، والآثار تدل على حج الأنبئاء إلى بيت الله ووقوفهم بعرفة. وبذلك قد نصل إلى أن في حياة كل نبيء جبلاً أو جبالاً.

مع العلم أن أنبئاء بني إسرائيل كانوا حول بلاد الشام وهي (ربوة ذات قرار ومعين).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015