قال صاحب النبأ العظيم في بيان نفيس للغرض: "أخذ الآن يطوي صحيفة أحكامه، ليتحول بنا عنها إلى ما هو أهم منها، فقال لنا وهو يطويها: دعوا المشادة في هذه الشئون الجزئية الصغرى، سووها بينكم بقانون البر والفضل، وحولوا أبصاركم إلى الشؤون الكلية التي هي أحق بأن يتوفر عليها العزم والقصد، وأحرى أن يشتغل بها العقل والقلب .. حافظوا على الصلاة ... أنفقوا في سبيل الله ... جاهدوا في سبيل الله (وبعد) فهل حديث الصلاة هنا يعتبر مقصداً أصلياً مستقلاً، أم هو جزء من مقصد آخر؟ " ([2]).
الثاني: بيان عظم الصلاة، وأثرها في حل الأزمات الداخلية والخارجية. ويؤكد هذا أن الآية وردت بين الحديث عن الطلاق والقتال، وهما يمثلان أشد أوقات الأزمات في الأمة الداخلية والخارجية، فناسب أن يكون التوجيه فيهما بأعظم سبيل للخلاص والخروج من الأزمة وحصول الأمن الداخلي والخارجي، وهو الصلاة ([3]).
ومناسبة الآية للسياق، ظاهرة من وجوه منها:
أولاً: أنه لما أطال الحديث في أحكام الأسرة وأحكام النساء خاصة وما يتعلق بهن، وهي موضوعات تصرف هم الإنسان وتشغله عن عبادة ربه وقضاياه الكبرى التي هي عبادة الله تعالى وقضايا الأمة، أمر الله تعالى بالمحافظة على الصلاة مباشرة لتنتزع نفوس المؤمنين من الانشغال بحقوق الخلق لترفعهم إلى الانشغال بحقوق الحق تعالى ([4]).
قال البيضاوي: "لعل الأمر بها في تضاعيف أحكام الأولاد والأزواج لئلا يلهيهم الاشتغال بشأنهم عنها" ([5]). وتواترت أقوال المفسرين في ذكر هذه المناسبة ([6]).
ثانياً: أن الآيات قبلها في مسائل الخلاف، والآيات بعدها في مسائل الخوف، فأمر بالصلاة التي هي سبب في طهرة النفس وتزكيتها وتصفيتها من الكدر في حالات الخلاف، وهي قوة للنفس وعدة لها وتثبيت للقلب في حالات الخوف؛ فكأنه قال: حافظوا على الصلاة فهي عون لكم في مشاكلكم الخاصة، وعدة لكم في مشاكلكم العامة.
قال صاحب النبأ العظيم: "الصلاة كما نعلم قوة معنوية على العدو، وعدة من عدد النصر كما قال الله: +وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ" [البقرة 45] فلا جرم كان من الحكمة أن تزود بها أزواج المجاهدين، قبل أن يؤمروا بالقتال أمراً صريحاً، والصلاة في الوقت نفسه طهرة للنفس من مساوئ الأخلاق، تنقيها من دنس الشح والحرص على حطام الدنيا، لا جرم كان من الحكمة كذلك جعلها دعامة للوصية الآنفة، التي أمرتنا بالتسامح والتكارم في المعاملات، هكذا كان وضع حديث الصلاة مزدوج الفائدة: دواء وغذاء معاً، بل قل إنه مثلث الفائدة" ([7]).
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) هذا منهج قرآني عظيم في حل المشكلات، وهو صرف النفوس عن جو المشكلة إلى جو العبادة لتطمئن النفس وتستقر وتهدأ من ثورة الغضب والاضطراب الذي يزيد الشحناء والخلاف؛ ولهذا وجه بهذا العلاج بعد الأمر بالعفو والمسامحة كأنه أراد أن يبعث النفوس على العفو بالصلاة، وهذا أمر ظاهر فإن الإنسان بعد أدائه للصلاة يشعر براحة واستقرار، وما أجمل أن تكون جلسات العفو والمصالحة بعد الصلوات؛ فإنها أقرب لتحقيق التسامح والعفو.
([2]) ((النبأ العظيم)) (ص205).
([3]) وهذا أمر ظاهر مطرد في الشريعة، ولذا شرعت الصلاة حال الخسوف، والاستسقاء، والإستخارة. فالصلاة خير معين للإنسان في حال قلقه وفزعه؛ لأنها فزع إلى الله واتصال به، ولا شك أن الإنسان حال حصول حالات طارئة له فإنه يفزع إلى أقرب الناس له وأرجاهم معونة ونجدة له. فما أعظم هذا التوجيه الإلهي الكريم، وما أعظم هذه المناسبة للآيات في موقعها بين الحديثين.
([4]) انظر: ((تفسير المنار)) (2/ 436).
([5]) ((أنوار التنزيل)) (1/ 128).
([6]) انظر: ((البحر المحيط)) (2/ 543)، ((مفاتيح الغيب)) (6/ 124). ((نظم الدرر)) (3/ 359)، ((إرشاد العقل السليم لأبي السعود)) (1/ 274)، ((روح المعاني)) (1/ 747)، ((التحرير والتنوير)) (2/ 466)
([7]) ((النبأ العظيم)) (ص206).
ـ[ابو هاجر]ــــــــ[10 Mar 2009, 11:24 م]ـ
إني لأستغرب -واسمحوا لي- من بعض الأخوة الذين يتخوفين من طول النقاش بين الأخوة هنا 00
فإذا كانت القلوب سليمة من حمل الغل والحقد والمقصود الوصول إلى الحق فلا ضير إذاً00
ـ[صبري]ــــــــ[10 Mar 2009, 11:45 م]ـ
[ QUOTصلى الله عليه وسلم= د. خضر;74036] كم تمنينا لك ذلك ولكن للأسف فلسفة الأعداد لها من يناصرها ولسنا منهم، ونريد منك تكميلا لما شرعنا فيه بلسان عربي مبين وليس بالأعداد وضربها وطرحها والاعتراض عليها ومحاولة الأقناع رغم عدم الاقتناع. مع تحياتي لكم وللأستاذ المحب للقرآن والشيخ الشنقيطي. [/ QUO
أولا الأية رسمها كما كتبته أنا ولست أنت
ثانيا إذا كان حجتك اللسان العربي المبين فانتظر مني تفاسير لم تخطر على بالك ولا على بال من سبقوني في التفسير
وإذا كنت من أصحاب التفسير ولك قدرة على ذلك فأبلغني ما أو من هو الرقيم
فإذا عجزت عن ذلك أنا أبلغك
ولا تظن أنني مغرور في علمي لكن اسلوبك الحاد أغضبني
وللعلم أنا لم أتلقى تعليما في جامعات ولا معاهد ولا في حلقات ولم أطلع على تفاسير العلماء
فهل تجاريني؟
¥