ب - " آتيناه رحمة من عندنا " قيل هي النبوة. وقيل النعمة أيضاً. فهو رحيم. والمعلم الرحيم بتلاميذه يعمل على تعليمهم برفق، ويتقرب إليهم، ويتحبب إليهم ليأنسوا إليه فيحبوه ويأخذوا عنه علمه.
جـ- كان علم موسى بظواهر الأحكام، وعلم الخضر معرفة بواطنها. كما أن العلم اللدني من الله مباشرة، ليس لأحد من البشر فضل تعليمه.
- من أدب التعلم:
أ - التلطف في الطلب، فلم يفرض موسى عليه السلام نفسه على الخضر عليه السلام على الرغم أن الله تعالى أخبر الخضر بلقائه ليتعلم منه. إنما تلطف في عرضه بصيغة الاستفهام التي تترك مجالاً للمسؤول أن يتنصل إن أراد.
ب - جعل نفسه تابعاً حين سأله " هل أتبعك .. " فالتلميذ تابعٌ أستاذه مسلمٌ إليه قياده، وهذا أدعى إلى التناغم بينهما.
ت - العلم يرفع صاحبه. وهذا ما أقرّ به موسى للخضر حين عرض عليه أن يتابعه شرط أن يعلمه " على أن تعلمن .. " وهذه التبعية ترفع المتعلم. أما التبعية من ذل أو لعاعة من دنيا يصيبها فسقوط للمتبوع، وكبر للتابع.
ث - الواقعية في الطلب: فهو لم يطلب منه أن يعلمه كل شيء، إنما طلب أن يعلمه شيئا مما علمه الله تعالى: " ... مما عُلّمْتَ .. " وهذا تواضع في الطلب فهو عليه السلام لم يكلف أستاذه شططاً ... لقد طلب العلم المفيد الذي تسمح به نفس معلمه.
ج - طلب النفيس من العلم: فالله تعالى علم الخضر علماً لدنياً نفيساً يريد موسى بعضه، ولم يطلب العلم الدنيوي، وإن كان مفيداً إنما طلب الهدى والرشاد الذي يبلغه المقام الأعلى في الدنيا والآخرة، وحدد نوع العلم فقال:" مما علمت رشداً " وضد الرشد الهوى والضلال، وهذا ما لا نريده.
ح - قوله تعالى " مما عُلّمْت رشداً " تذكير للمعلم أن الله تعالى أنعم عليه بالرشاد والهدى والسداد. ومن شُكْرِ النعم أن يعلّم عبادالله بعضاً مما أكرمه الله به، فتزداد حظوته عند خالقه، ويزيده علماً. ومن دل على خير كان له مثل أجر فاعله.
- وقد يشترط المعلم على تلميذه أن لا يستعجل في السؤال عن أمر من الأمور إلى أن
يحين الوقت المناسب لشرحه " قال: "فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً ". فقد لا يرغب بالتوضيح حتى يستكمل الأمر. وقد يرى المعلم اختبار
تلميذه في الصبر. وقد يكون المعلم نفسه قليل الكلام. وقد يكون ممن يعتمدون في التعليم على الملاحظة ... ولكل شيخ طريقته، إن جاريته فيها تعلمت منه، وإن خالفته فارقك وفارقته.
- لابد أن يخطئ الإنسان فقد خلق من عَجَل، أي من النقصان فوجب أن يترك له فسحة يستدرك فيها خطأه فقد اتفق النبيان في صحبتهما على أن يرى موسى عليه السلام مايجري دون أن يتدخل مستنكراً أو معلقاً على ما يراه إلى أن يرى الأستاذ رأيه في توضيح بعض الأمور. لكن التلميذ لم يف بالوعد فقال في الأولى " لقد جئت شيئاً إمراً " وشدد النكير في الثانية حين قال: " لقد جئت شيئاً نكراً " وقال في الثالئة معترضاً ومقترحاً" لو شئت لاتخذت عليه أجراً ".
ونبهه أستاذه في الأولى " ألم أقل: إنك لن تستطيع عليه صبراً؟ " وعاتبه في الثانية بزيادة " لك " في قوله: " ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً؟ " وأعلن في الثانية أن الفرصة الممنوحة انتهت فلا بد من الفراق لأنه استنفدها " هذا فراق بيني وبينك ". ولكنه لم يشأ أن يتركه يجهل أسباب الحوادث فأخبره بها " سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً "
- زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى: قبل أن يخبره بالأسباب أضاف للفعل تاء التعدية " تستطع " على وزن تفتعل وحين أخبره بها حذف التاء لأن المعنى انتهى " تسطع " على وزن تفعل. وسوف نجد هذا في قصة ذي القرنين " فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً " فعلوّ الجدار على صعوبته أسهل من نقبه فحذف التاء مع علو الجدارفي قوله " فما اسطاعوا " وأثبتها في صعوبة النقب " وما استطاعوا ".
تأملات تربوية (دـ إكرام الزيد)::
--------------------------
¥