فالأخ الكريم عبد الرحمن -كما أسلفت- أختلف معه في أنه يعتبر حرفية النص أو ظاهر النص كما يسميها , ولا يلقي بالا للكشوف العلمية التي ثبتت ثبوتا قطعيا , ولا يريد أن يصدق أولئك الذين فتقوا جلدة السماء وعبروا غلاف الأرض وسبحوا في سديم الفضاء , فرأوا بأمّ أعينهم دوران الأرض حول الشمس , وهذا موضوع -كما قلت- واسع متشعب لا يسعه المقام , آمل أن نتناوله في غير موضع بشيء من التفصيل يشاركنا فيه أهل الملتقى الأفاضل.
ثم واصلت تهدم فكرتك وأنت لا تشعر، فقلت:
.................................................. .............................. هذا الخلاف وكفى!! ولكن أخي محب القرآن فتح بابا آخر لنقاش بل للخلاف , وذلكم الباب هو التسليم بالحقيقة الحسية , والتي جعلها حجر أساس في فهم النص المذكور , وفاته –زاده الله علما- أن الحقائق الحسية هي في الغالب حقائق جزئية لا كلية ..
فقد قال رعاه الله " وأما الحس فنحن نرى الشمس تطلع من المشرق ثم تتحرك حتى تختفي في جهة المغرب.
فهذا هو نهارنا ودليله كالشمس في رابعة النهار , وأما نهارك فلا أدري أين هو".
]
فقلي بربك: متى تنقلب الحقيقة الحسية إلى وهم؟
ثم واصلت مقطوعتك الرصينة فقلت:
[ align=center
وأقول لأخي محب القرآن
[ align=center] أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا تورد يا سعد الإبل
أهذا نهارك أخي الحبيب!! فوالله أضوء منه ليلة عمياء محق الله بدرها وأطفأ نجومها , وتاه بها حتى لصوص السمع من الشياطين.
تقول لي الحس , وأصدّق بالحس , ودليلي الحس!! ولا أدري والله منذ متى والمسلم يقف عند حدود الحس؟؟!! ويجعل من الحقيقة الحسية أمرا مسلم به , بل ويجعل منها نهارا وهاجا لا جدال معه؟؟!!
]
وهنا عدة أمور:
أولاً: تمنيت أنك لم تقسم، فالقسم لا يكون إلا على مثل الشمس في رابعة النهار.
ثانياً: من قال لك إن المسلم يقف عند حدود الحس؟
ثالثاً: التسليم بالحقيقة الحسية مطلوب شرعاً وعقلاً ولو لم نسلم بالحقائق الحسية لأصبحنا في عداد المجانين.
ثم قلت:
يا أخي الحبيب ..
علمنا القرآن أن للحقيقة مراتب ثلاث
مرتبة دنيا وهي الحقيقة الحسية
ومرتبة فوقها وهي الحقيقة العقلية
وفوق هذه وتلك مرتبة الحقيقة القلبية (الغيبية)
]
وأنا أقول إن في القرآن ما يدل على عكس ما تقول ولعلي أقف مع هذه النقطة وقفة مستقلة فيما بعد إن شاء الله تعالى.
ثم إنك وصلت فقلت:
والتسليم بالحقيقة الحسية هو حظ الأنعام .. ورحم الله ابن القيم "طائر الطبع يرى الحبة وعين العقل ترى الشرك".
والتسليم بالحقيقة العقلية هو حظ الإنسان الذي ميزه الله بالعقل ..
والتسليم بالحقيقة القلبية (الغيبية) هو حظ المؤمن الذي يذهب بقلبه إلى حيث تقصر خطى العقل وينقطع مداه ..
وإليك بيان ذلك
يرى الحس الحجر حجرا ولا شيء وراء ذلك , ويراه العقل نسيج محكم من الذرات متصل بعضها ببعض , في كل ذرة بروتون ونيوترون تدور حول نواة الذرة , ويراه القلب كائنا مسبحا بحمد الله تعالى {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} .. فأي الحقائق أصدق وأحق؟؟!! بل انظر الفارق البعيد بين ما يراه الحس ويعلمه العقل ويؤمن به القلب.
فأدنى مراتب الحقيقة هو ما يراه الحس , فإذا خطوت خطوة وراء الحس انتقلت إلى مرتبة أعلى وهي العقل , فإذا خطوت خطوة أخرى انتقلت إلى أعلى المراتب وهي الحقيقة القلبية , والشريعة علمتنا أن نعتبر الحقيقة القلبية على أن نحترم الحقيقة العقلية ولا نسقطها من حساباتنا في أمر الدنيا ..
]
وأنا أقول لك هذا خلط في الاستشهاد فالحس يحكم على الحجر بأنه حجر لأنه قد عرف شكله وعرف صفاته، فمن أنكر أن الحجر ليس بحجر ليس أمامك إلا أن تقول انظر إليه والمسه بيدك إنه صلب إنه حجر.
والتسليم بالحقيقة الحسية لا يمنع من التسليم بالحقيقة العقلية وهي حسية في نفس الوقت لأن العقل قد تلقاها عن طريق الحواس فعلم أن الحجر مكون من ذرات. وكذلك لا يمنع من التسليم بالحقيقة الإيمانية المبنية على الخبر الصادق بأن الحجر يُسبح لله تعالى.
فالتسليم بالحقيقة الحسية ليس من حظ الأنعام اطلاقاً.
ثم تواصل الكلام فتقول:
تقول لي -عافاك الله- الحقيقة الحسية هي النهار , وهي البرهان الذي يقطع كل حجة ويخرس كل لسان .. فأجبني عما يلي
¥