ومرتبة فوقها وهي الحقيقة العقلية
وفوق هذه وتلك مرتبة الحقيقة القلبية (الغيبية)
والتسليم بالحقيقة الحسية هو حظ الأنعام .. ورحم الله ابن القيم "طائر الطبع يرى الحبة وعين العقل ترى الشرك".
والتسليم بالحقيقة العقلية هو حظ الإنسان الذي ميزه الله بالعقل ..
والتسليم بالحقيقة القلبية (الغيبية) هو حظ المؤمن الذي يذهب بقلبه إلى حيث تقصر خطى العقل وينقطع مداه ..
وإليك بيان ذلك
يرى الحس الحجر حجرا ولا شيء وراء ذلك , ويراه العقل نسيج محكم من الذرات متصل بعضها ببعض , في كل ذرة بروتون ونيوترون تدور حول نواة الذرة , ويراه القلب كائنا مسبحا بحمد الله تعالى {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} .. فأي الحقائق أصدق وأحق؟؟!! بل انظر الفارق البعيد بين ما يراه الحس ويعلمه العقل ويؤمن به القلب.
فأدنى مراتب الحقيقة هو ما يراه الحس , فإذا خطوت خطوة وراء الحس انتقلت إلى مرتبة أعلى وهي العقل , فإذا خطوت خطوة أخرى انتقلت إلى أعلى المراتب وهي الحقيقة القلبية , والشريعة علمتنا أن نعتبر الحقيقة القلبية على أن نحترم الحقيقة العقلية ولا نسقطها من حساباتنا في أمر الدنيا ..
تقول لي -عافاك الله- الحقيقة الحسية هي النهار , وهي البرهان الذي يقطع كل حجة ويخرس كل لسان .. فأجبني عما يلي
يرى الحس الأمواج تصطخب فوق أديم الأرض , وهي في حكم العقل أمواج من سرابٍ خادعٍ لا تملأ ملعقة , فأي الحقيقتين هي النهار الحسية أم العقلية؟؟
ويرى الحس الميت محض جثة جامدة هامدة , وهي لم تزل في حكم العقل متغيرة متحللة لعناصرها الأولى فأي الحقيقتين هي النهار الحسية أم العقلية؟؟
ويرى الحس اللحد على قدّ الميت , وهو في حسابات القلب روضة فسيحة من رياض الجنة أو هو في حسابات القلب حفرة من النار أضيق مما يراه الحس , فأي الحقيقتين هي النهار الحسية أم القلبية؟؟!
ويرى الحس النجوم تتلألأ نورا , وهي في العقل أجرام سماوية مظلمة لولا انعكاس ضوء الشمس ما أنارت ولا تلألأت , فأي الحقيقتين هي النهار الحسية أم العقلية؟؟!
ويرى الحس البدر كأنه قرص من الفضة صقيل , ومن ذلك شبهوا الحبيبة بالبدر , وهو في عين الراصد الفلكي كوكب أرضه فيها الحفر والأخاديد والنتوءات , كجلد الأجرب , فأي الحقيقتين هي النهار الحسية أم العقلية؟؟!
ويرى الحس وجه الميت ساكنا كوجه التمثال , وهو في حكم القلب يتقلب في أعطاف النعيم أو يشوى على جمر الجحيم , فأي الحقيقتين هي النهار الحسية أم القلبية؟؟
ويهبط الحجر فلا يزيد الحس على أن رأى حجرا هبط , ولعله هبط في حسابات القلب من خشية الله فأي الحقيقتين هي النهار؟ الحسية أم القلبية؟؟!
ويرى الحس الأرض منبسطة أمامه فيقطع أنها مستوية وهي في العقل كروية أو دحيوية بمعنى أدق , فأي الحقيقتين هي النهار الحسية أم العقلية؟؟
ونضغط زرا على جهاز الريمونت فلا يرى الحس شيئا يخرج منه , وفي حكم العقل أن ذبذبات من نوع ما خرجت منه أو كما يسميها ابن القيم (جواهر لطيفة) [وهذا سبق علمي لابن القيم] فأي الحقيقتين هي النهار الحسية أم العقلية؟؟!
ثم إن كانت المسألة واضحة كالنهار كما تدعي , فلم لم تسعفنا بمخطط فلكي –مخطط واحد فقط- ولو افتراضي!! يرينا دوران الشمس حول الأرض؟؟! وأعيدها لك -وقلتها سلفا- لا تأتي به ولن تأتي به ولو كان بعضكم لبعض ظهيرا , وأنا على استعداد أن أهديك إلى مخطط بل عشرات المخططات على الشبكة تريك صدق مذهبي , بل هنالك مقاطع فديو حية تصور حركة الأرض , ولكنك أخي الحبيب لا تريد إلا ما تريد ..
دع كلامي واسمع للغزالي يرحمه الله ماذا يقول في المنقذ من الضلال
" فانتهى بي طول التشكيك إلى أن لم تسمح نفسي بتسليم الأمان في المحسوسات ومن أين الثقة بها وأقوى الحواس حاسة البصر , وهي تنظر إلى الظل فتراه واقفا غير متحرك , وتحكم بنفي الحركة , ثم بالتجربة [طبعا يقصد المتابعة العقلية] والمشاهدة بعد ساعة تعرف أنه متحرك , وأنه لم يتحرك دفعة بغتة , بل على التدريج ذرة ذرة حتى لم تكن له حالة وقوف.
وتنظر إلى الكوكب فتراه صغيرا في مقدار دينار , ثم الأدلة الهندسية [طبعا يعني العقلية] تدل على أنه أكبر من الأرض في المقدار.
¥