(ولم يكن العرب - في جاهليتهم - ينكرون أن الله هو خالق هذا الكون، وخالق الناس، ورازقهم كذلك من ملكه، الذي ليس وراءه ملك تقتات منه العباد!. . وكذلك لم تكن الجاهليات الأخرى تنكر هذه الحقائق - على قلة من الفلاسفة الماديين من الإغريق! - ولم تكن هنالك هذه المذاهب المادية التي تنتشر اليوم بشكل أوسع مما عرف أيام الإغريق. . لذلك لم يكن الإسلام يواجه في الجاهلية العربية إلا الانحراف في التوجه بالشعائر التعبدية لآلهة - مع الله - على سبيل الزلفى والقربى من الله! - وإلا الانحراف في تلقي الشرائع والتقاليد التي تحكم حياة الناس. . أي أنه لم يكن يواجه الإلحاد في وجود الله - سبحانه - كما يقول اليوم «ناس»! أو كما يتبجحون بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير!

والحق أن هؤلاء الذين يجادلون في وجود الله اليوم قلة. وسيظلون قلة. إنما الانحراف الأساسي هو ذاته الذي كان في الجاهلية. وهو تلقي الشرائع في شؤون الحياة من غير الله. . وهذا هو الشرك التقليدي الأساسي الذي قامت عليه الجاهلية العربية، وكل الجاهليات أيضاً!

والقلة الشاذة التي تجادل في وجود الله اليوم لا تعتمد على «العلم» وإن كانت هذه دعواها. فالعلم البشري ذاته لا يملك أن يقرر هذا الإلحاد ولا يجد عليه دليلاً لا من هذا العلم ولا من طبيعة الكون. . إنما هي لوثة سببها الأول الشرود من الكنيسة وإلهها الذي كانت تستذل به الرقاب من غير أصل من الدين. . ثم نقص في التكوين الفطري لهؤلاء المجادلين، ينشأ عنه تعطل في الوظائف الأساسية للكينونة البشرية. . كما يقع للأمساخ من المخلوقات. .!

ومع أن حقيقة الخلق والتقدير فيه - كحقيقة انبثاق الحياة أيضاً - لم تكن تساق في القرآن لإثبات وجود الله - إذ كان الجدال في وجوده تعالى سخفاً لا يستحق من جدية القرآن العناية به - إنما كانت تساق لرد الناس إلى الرشاد، كي ينفذوا في حياتهم ما تقتضيه تلك الحقيقة من ضرورة إفراد الله سبحانه بالألوهية والربوبية والقوامة والحاكمية في حياتهم كلها؛ وعبادته وحده بلا شريك. .

مع هذا فإن حقيقة الخلق والتقدير فيه - كحقيقة انبثاق الحياة أيضاً - تقذف في وجوه الذين يجادلون في الله - سبحانه - بالحجة الدامغة التي لا يملكون بإزائها إلا المراء. وإلا التبجح الذي يصل إلى حد الاستهتار في كثير من الأحيان!

«جوليان هاكسلي» مؤلف كتاب: «الإنسان يقوم وحده» وكتاب «الإنسان في العالم الحديث» من هؤلاء المتبجحين المستهترين؛ وهو يقذف بالمقررات التي لا سند لها إلا هواه وهو يقول في كتاب «الإنسان في العالم الحديث»؛ في فصل: «الدين كمسألة موضوعية» ذلك الكلام!

«ولقد أوصلنا تقدم العلوم والمنطق وعلم النفس إلى طور أصبح فيه الإله فرضاً عديم الفائدة، وطردته العلوم الطبيعية من عقولنا، حتى اختفى كحاكم مدبر للكون، وأصبح مجرد» أول سبب «أو أساساً عاماً غامضاً».

و «ول ديورانت» مؤلف كتاب «مباهج الفلسفة» يقول: إن الفلسفة تبحث عن الله، ولكنه ليس «إله اللاهوتيين الذين يتصورونه خارج عالم الطبيعة. بل إله الفلاسفة؛ وهو قانون العالم وهيكله، وحياته ومشيئته». . وهو كلام لا تستطيع إمساكه! ولكنه كلام يقال!

ونحن لا نحاكم هؤلاء الخابطين في الظلام إلى قرآننا، ولا نحاكمهم كذلك إلى عقولنا المنضبطة بهدى هذا القرآن. إنما نكلهم إلى أندادهم من «العلماء» وإلى العلم البشري الذي يواجه هذه القضية بشيء من الجد والتعقل. .

يقول جون كليفلاند كوتران: (من علماء الكيمياء والرياضة. دكتوراه من جامعة كورنيل. رئيس قسم العلوم الطبيعية بجامعة دولث). من مقال: «النتيجة الحتمية» من كتاب: «الله يتجلى في عصر العلم»:

«فهل يتصور عاقل، أو يفكر، أو يعتقد، أن المادة المجردة من العقل والحكمة قد أوجدت نفسها بنفسها بمحض المصادفة؟ أو أنها هي التي أوجدت هذا النظام وتلك القوانين، ثم فرضته على نفسها؟ لا شك أن الجواب سوف يكون سلبياً. بل إن المادة عندما تتحول إلى طاقة أو تتحول الطاقة إلى مادة، فإن كل ذلك يتم طبقاً لقوانين معينة. والمادة الناتجة تخضع لنفس القوانين التي تخضع لها المادة التي وجدت قبلها».

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015