سلسلة: من تربويات الظلال/الحلقة 2/ منهج الإسلام في تربية المؤمنين على التزام الأحكام

ـ[محمد رشيد]ــــــــ[21 Feb 2009, 04:43 م]ـ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد ..

فإننا نعيش حياة الأزمات، لا أقول نعيش أزمة؛ بل هي أزمات .. أزمات يرى المرء نفسه في كثير من حالاتها الجدالية والنقائية واجبه السكوت؛ فالكلام فيها - وإن كان في ذاته حقا - ففي ظل وبيئة تلك الازمات يتحول إلى وقود يثير اللهب، لا يفاصل بين الحق والباطل، و‘ن السكوت والله لهو لهب آخر في القلب ربما يكون ألهب وأحرق .. فكيف لمن يرى الحق أن يسكت؟ .. ولكنه قدر الله .. هو الحكيم العليم .. وهو المطاع لا مطاع غيره .. فما كان لأنفسنا أت تحكم من هواها وإن رأت ما تراه حقا رؤيا العين .. فيا أيها السكوت خفف من حدتك فأنت ضيف ثقيل.

إن جل الامور التي يصمت المرء فيها إنما يصمت لما يعلمه من تلقي تلك التوجيهات أو الأمور على غير مرادها، أو على غير تصور صحيح لتطبيقها.

من تلك الأمور ما أصر وأدعو إليه - كمسلم - أنه لن يصلح أمر الأمة إلا بمنهج التربية الذي سلكه الوحي مع المؤمنين .. نعم، الوحي في كافة أشكال تنزلاته بغض النظر عن كونه قد كملت الأحكام بعدها .. وهذا هو المحك ومحور سوء الفهم لدى الكثير من الشباب المتحمسين.

إن اكتمال الدين هو في حق الدين كدين أنزله الله، ثم بعد ذلك يتحرك المؤشر التربوي قربا وبعدا عن هذا الدين الكامل، ومن هنا فلن تصلح اية مناهج تربوية سوى المنهج القرآني، بإجماله وتفصيله.

يظهر أثر ذلك في مثل شاب (ملتزم) يرى شابا آخر على قدر عظيم من الفسق، فيأخذه بكل العزائم، أو أنه يتغافل عن بعض صغائره ولكنه يوجهه ـ جملة ـ لترك كل ما هو عليه من الكبائر، وتكون النتيجة أن لا يستجيب الشاب وتقع النفرة. فإذا ناقشنا أخانا (الملتزم) في منهجه الدعوي مع الفاسقـ قال: هو يعلم أنه حرام فعليه أن يلتزم.

أقول: وإن صح ما قلت من قضية علم الفاسق بالإثم، فهو قضية منفصلة لا تفيد لزوم ما فعلت؛ بل إن المنهج التربوي الدعوي واحد، وهو موضح بكتاب الله تعالى وبتطبيق النبي صلى الله عليه وسلم له مع أصحابه.

فإن قلت: ولكنه يقيم على كذا وكذا من الفجور.

قلت: وقد كان الصحابة يقيمون على شرب الخمور، حتى حرمها الله.

فإن قلت: ولكنها قبل التحريم كانت مباحة فلا شيء فيه في حقهم.

قلت: ولكنها حرمت في تأقيت محدد لم يستجب الله تعالى قبله للمؤمنين فيما رجوه بقلوبهم من التحريم أو فيما تحرجوه من الخمر حين سألوا عن الخمر وترجى البعض أن تحرم؛ لعلم الله تعالى أنهم لم يتهيئوا تربويا للحكم، وهذا هو الشاهد؛ هو السير ضمن منهج، وهو ما أطرحه للتطبيق والعمل. هذا مع الأخذ في الاعتبار ما كانت تحدثه الخمر من فساد في الهيئة والعبادة.

هذا هو المحك يا مشايخ .. أن تطبقوا المنهج بجرأة وواقعية، لا أن تأخذكم عواطفكم .. نعم قد كمل الدين .. وهذا في حقيقة ذات الدين .. ولكنه معدوم أو منقوص ـ بقدره ـ من قلوب البشرية إلا من رحم الله .. وحتى تختصروا على أنفسكم الوقت والطريق، وبعد تجارب كل تلك العقود، فلن يصلح الحال إلا بالمنهج القرآني الذي نخشى أن نطبقه واقعيا وعمليا، وتلك الخشية وذلك الترهب لو دقننا لوجدنا منبعهما العواطف غير المطمئنة على أصولها، بل هو التعلق العنيف بالأسباب وعدم الاطمئنان إلى حفظ الله تعالى لدينه.

وأراني قد أطلت التعليق .. فعذرا

وإلى المقطع التربوي من الظلال

******************

يقول سيد قطب رحمه الله:

(وفي سياق قضية التشريع بالتحريم والتحليل , وفي خط التربية للأمة المسلمة في المدينة , وتخليصها من جو الجاهلية ورواسبها وتقاليدها الشخصية والاجتماعية , يجيء النص القاطع الأخير في تحريم الخمر والميسر مقرونين إلى تحريم الأنصاب والأزلام. أي إلى الشرك بالله.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015