يجادل ومن عنده علم، وليس كل أحد، ولهذا ذُكر كما يعلم بعضكم أنّ أناسا جادلوا، إما جادلوا ملحدا، أو جادلوا غير مسلم أو نصراني أو يهودي، أو جادلوا صاحب ملة من الملل أو مذهب من المذاهب الضالة، أو نحو ذلك، فربما غلب، أو ربما كان أقوى فوقع الافتتان في الناس، الله جل وعلا في هذه السورة بين أن الفتنة تقع إذا لم يكن الحوار من عالم وبالتي هي أحسن فقال جل وعلا ? وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ ? [العنكبوت:46 - 47] إلى أنْ قال جل وعلا ? بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ? [العنكبوت:49] –نستمع للأذان-.

نكمل الحديث عن مثال سورة العنكبوت بأثر فهم مقصد أو موضوع السورة على العلم بالتفسير، فذكر جل وعلا النهي عن مجادلة أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، لكن ممن؟ ممن هو عالم بالقرآن فقال (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) ولهذا من لم يعلم القرآن، وحجج القرآن، وبينات القرآن، والبراهين التي في القرآن، وكيف جاء في القرآن الحوار مع الملحد ومع المتجبر ومع الطاغوت ومع الناس بجميع أصنافهم، من لم يعلم ذلك فإنه لا يصلح للحوار، فليس كل أحد يحاور برأيه وبفكره، وإنما الحوار للعلماء، الحوار كما يسمى أو المجادلة كما في القرآن، هذه إنما هي لأهل العلم الذين يعلمون حدود ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم. فإذن تقع الفتنة؛ الفتنة بالمجادلة، يقول له جادلني، ليش أنت ما تجادل؟ ويبدأ يبقى أحدهم في الجدال والحوار ويبحثون القضايا، هذا نوع افتتان للعامة، فإذن لابد هنا أن ينظر المرء في هذه الحال؛ أن يكون معتزا بدينه، وأن يعلم أن القرآن هو الحق، وأنه الذي كان في صدره فهو الذي على الحق؛ لأنّ القرآن حجة ماضية على الجميع، ولهذا قد يكون المرء لا يعلم بعض الحجج، فإذا كان كذلك فإنه يقول كما قال الله جل وعلا (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) وهذا المجادلة الإجمالية ثم التفصيل عند من يعلم القرآن ويعلم الشريعة.

من الفتن التي ذُكرت أيضا في هذه السورة؛ أن يجعل الله جل وعلا الحياة جميلة بلهوها ولعبها وما فيها من الملذات حتى ينسى المرء الآخرة، قال جل وعلا في آخر السورة ? وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ? [العنكبوت:64]؛ لأن كثيرين من الناس افتتنوا بالحياة؛ لهو ولعب ويظن أنها ستمتد ولا يعلم حقيقة الحياة، قال جل وعلا بعدها ? وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ? [العنكبوت:64]، (الْحَيَوَانُ) وهذا صيغة مبالغة من الحياة؛ يعني الدار الآخرة؛ يعني الجنة والنار هي ذات الحياة الباقية الكاملة، فمن أراد قمّة النعيم وكمال النعيم والتلذذ فهو في الجنة في الآخرة، ومن أراد الهرب من المؤذيات فهو المؤذيات كلها في النار، والذي يريد الهرب يهرب من النار، ولهذا قال طائفة من العلماء ما ذكر الله جل وعلا في القرآن -هذه ذكرها ابن الجوزي وجماعة- ما ذكر الله جل وعلا في القرآن من أنواع نعيم الدنيا، لتنظر إلى نعيم الدنيا أو لتتذكر به نعيم الآخرة، فكل مثال في الدنيا للنعيم أو للتلذذ هو حجة عليك في تذكرك نعيم الجنة، وكل مثال في الدنيا لأنواع المؤذيات ولو كانت الحشرة الصغيرة أو كان حرا يسيرا فهو مثال يذكرك الله جل وعلا به لما يكون في الآخرة من النكال ومن العذاب ومن الحرمان، فمن أراد حقيقة الحياة والسعادة فليبحث عن السعادة الأبدية، والحياة الدنيا هذه من اللهو واللعب (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) تحدث فتنة، وما الناس الآن ما افتتن الناس إلا باللهو واللعب بهذه الحياة الدنيا، لماذا قست القلوب؟ لأجل أن الناس أقبلوا على اللهو واللعب، لماذا أعرضوا عن الآخرة؟ لأنهم أقبلوا على اللهو واللعب، لماذا قل نصيبهم من القرآن؟ لأنهم أقبلوا على

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015