والذي ذَهَب إليه الْمُحَقِّقُون أنَّ هَارُوت ومَارُوت كَانا رَجُلَين مُتَظَاهِرَين بالصَّلاح والتَّقْوى في بَابِل ... وكانا يُعلِّمَان النَّاس السِّحْر. وَبَلَغ حُسْن اعْتِقَاد النَّاس بِهِما أنْ ظَنُّوا أنَهما مَلَكَان مِن السَّمَاء، وما يُعلِّمَانِه للنَّاس هو بِوحْي مِن الله، وبَلَغ مَكْر هَذَين الرَّجُلَين ومُحَافَظتهما على اعْتِقَاد النَّاس الْحَسَن فِيهما أنهما صَارَا يَقُولان لِكُلّ مَن أرَاد أن يَتَعَلَّم مِنهما: (إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ)، أي: إنما نَحْن أوُلو فِتْنَة نَبْلُوك ونَخْتَبِرُك، أتَشْكُر أمْ تَكْفُر، ونَنْصَح لَك ألاَّ تَكْفُر. يقولان ذلك لِيُوهِما النَّاس أنَّ عُلومَهما إلَهِيَّة، وصِنَاعَتهما رَوْحَانِيَّة، وأنهما لا يَقْصِدَان إلاَّ الْخَير ...

فـ " ما " هنا نافية على أصَحَّ الأقْوال، ولفظ (الْمَلَكَيْنِ) هنا وارِد حَسب العُرْف الْجَارِي بَيْن النَّاس في ذلك الوَقْت.

ثم خَلَص القاسمي إلى: " أنَّ مَعْنى الآية مِن أوَّلها إلى آخِرها هكذا:

أن اليَهود كَذَّبُوا القُرآن ونَبَذُوه وَرَاء ظُهورِهم، واعْتَاضُوا عَنه بالأقَاصِيص والْخُرَافَات التي يَسْمَعُونَها مِن خُبَثَائهم عن سُلَيمَان ومُلْكِه، وزَعُمُوا أنه كَفَر، وهَو لَمْ يَكْفُر، ولكن شَياطِينهم هُم الذين كَفَرُوا، وصَارُوا يُعلِّمُون النَّاس السِّحْر، ويَدّعُون أنه أُنْزِل على هَارُوت ومَارُوت، اللذين سَمَّوهما مَلَكَين، ولم يَنْزِل عَليهما شَيء ... فأنْتَ تَرَى أنَّ هَذا المقَام كُله ذََمّ، فلا يَصِحّ أن يَرِد فيه مَدْح هَارُوت ومَارُوت. والذي يَدُلّ على صِحَّة مَا قُلْنَاه فِيهما أنَّ القُرآن أنكَر نُزُول أيّ مَلَك إلى الأرْض لِيُعَلِّم النَّاس شَيئا مِن عِند الله، غَير الوَحْي إلى الأنْبِيَاء، ونَصَّ نَصًّا صَرِيحًا أنّ الله لَم يُرْسِل إلاَّ الإنْس لِتَعْلِيم بَنِي نَوْعِهم، فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [الأنبياء:7]، وقال مُنكِراً طَلَب إنْزَال الْمَلَك: (وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) [الأنعام:8]، وقال في سورة الفرقان: (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا) إلى قَولِه: (فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) [الآيات:7 - 9]. اهـ.

وقد رُويت أخبار في قصة الْمَلَكين، وهي أخبار لا تَصِحّ.

قال ابن عطية بعد سياق الروايات: وهذا كُلّه ضَعيف.

وقال القرطبي: لا يَصِحّ منه شيء، فإنه قَول تَدْفَعه الأصُول في الملائكة الذين هُم أمَناء الله على وَحْيِه، وسُفَرَاؤه إلى رُسُله.

وقال ابن كثير: وقد رُويَ في قِصة هارُوت ومَاروت عن جماعة من التابعين ... وحَاصِلها رَاجِع في تَفْصِيلها إلى أخْبَار بني إسْرائيل، إذْ ليس فيها حَديث مَرفوع صَحيح مُتَّصِل الإسْناد إلى الصَّادِق المصدوق المعصوم الذي لا يَنطق عن الهوى، وظاهِر سياق القرآن إجمال القِصَّة مِن غير بَسْط ولا إطْناب، فنحن نُؤمن بما وَرَد في القُرآن على ما أرَادَه الله تعالى، والله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال.

وقال القاسمي: وللقُصّاص في " هَارُوت ومَارُوت " أحَاديث عَجيبة! ثم ذَكَرَ أنَّ هذا في " التلمود " ثم قال: وجَارَاه جَهَلَة القُصَّاص مِن المسلمين، فأخَذُوها منه. ثم نَقَلَ عن الرازي وجوه بُطلان تلك القصة.والله تعالى أعلم." اه عن موقع المشكاة.

وقال صاحب الظلال رحمه الله في نفس الآية:

لقد تركوا ما أنزل الله مصدقا لما معهم ; وراحوا يتتبعون ما يقصه الشياطين عن عهد سليمان , وما يضللون به الناس من دعاوى مكذوبة عن سليمان , إذ يقولون: إنه كان ساحرا , وإنه سخر ما سخر عن طريق السحر الذي كان يعلمه ويستخدمه.

والقرآن ينفي عن سليمان - عليه السلام - أنه كان ساحرا , فيقول:

(وما كفر سليمان).

فكأنه يعد السحر واستخدامه كفرا ينفيه عن سليمان - عليه السلام - ويثبته للشياطين:

(ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر). .

ثم ينفي أن السحر منزل من عند الله على الملكين: هاروت وماروت. اللذين كان مقرهما بابل: (وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت). .

ويبدو أنه كانت هناك قصة معروفة عنهما , وكان اليهود أو الشياطين يدعون أنهما كانا يعرفان السحر ويعلمانه للناس , ويزعمان أن هذا السحر أنزل عليهما! فنفى القرآن هذه الفرية أيضا. فرية تنزيل السحر على الملكين.

ـ[أبو الحارث العامودي]ــــــــ[29 May 2009, 10:42 ص]ـ

أوافق الأخ البيراوي عندما قال إن الآية الكريمة لم تقل بأنّ الملائكة علمت السحر. ومن هنا ليس هذا مقام التفصيل في حكم تعلم السحر وتعليمه. وكذلك لا داعي لصرف النص الكريم عن ظاهره، الذي ينص على إنزال غير السحر على الملكين ببابل هاروت وماروت. وقد وجدت مقالا في صفحة مركز نون للشيخ جرار يفسر الآيات الكريمة تحت عنوان إنما نحن فتنة. وهو يذهب إلى القول بأن الملكين كانا يعلمان مضادات السحر بعد استفحال خطر السحر في ذلك الزمان. وهو يستند فيما يستند إلى قوله تعالى (يعلمون السحر و ما أنزل على الملكين) فالسحر شيء وما أنزل شيء آخر. أما التحذير من قبل الملكين فلأن تعليم مضادات السحر يقتضي معرفة ماهية السحر من أجل معرفة إبطاله.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015