لماذا خلقنا الله؟! الذي يسأل هذا السؤال قد يقصد في سؤاله أن يقول: كان الإنسان عدماً، فما هي الحكمة الربانيّة في خلقه بعد أن كان غير موجود؟! وقد يكون قصد السائل أن يقول: الإنسان موجود، ولا أسألك عن خلقه بعد أن كان عدماً، وإنما أسألك أنّه الآن موجود، لماذا؟! أي أنّ السائل يسأل عن وظيفة الإنسان بعد أن خلقه الله. وهذا السؤال أجابت عنه الآية القرآنيّة:" وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون"، فهي إذن تُحدد وظيفة الإنسان بعد وجوده، ولا تتحدث عن حكمة خلقه قبل أن يوجد. وقد عرفنا أنّ العبادة هي كل سلوك إيجابي يقصد به التقرب إلى الله تعالى. وعليه يكون معنى الآية: وما خلقت الجن والإنس إلا ليسلكوا سلوكاً إيجابياً وفق ما أحدده لهم، فأنا لم أخلقهم للسلبيات. أنا خلقتهم والشأن شأنهم أن يكونوا إيجابيين. ثم يأتي الدين ويفصل في ما هو إيجابي وما هو سلبي، ما يطلب فعله وما يطلب تركه.

لا توجد دولة إلا وتضع القانون الذي ينظم علاقة الناس بعضهم ببعض. وتقوم السلطة التنفيذيّة بحماية هذا القانون، وتكون طاعة الدولة من الواجبات التي لا يُسمح لأحد أن يفرّط فيها. أما الشّريعة الإسلاميّة فلم تقتصر على تنظيم علاقة الناس بعضهم ببعض، بل تعدّت ذلك إلى تنظيم علاقة الإنسان بالوجود، ثم هي تعمل على تربية الإنسان والارتقاء به. ومن أجل تحقيق التفاعل والالتزام من قبل الناس جعل الله تعالى الالتزام بهذه الشّريعة عبادة يثاب عليها المؤمن، وجعل المفرّط بها عاصياً مستحقاً للعقوبة. وإذا كان للقانون سلطة إلزام دنيويّة، فإنّ للشريعة سلطة دنيوية وأخرى أخروية. وهذا يعني أنّ الله تعالى قد تعبّدنا بمصلحتنا، فنحن الذين بحاجة إلى تنظيم ورعاية وهداية وتربية وتنمية، فكان من نعمة الله بالناس ورحمته أن جعل تَحقق مصالحهم عبادة له نسبها إلى نفسه لتكون هذه النسبة سلطة إلزام تدفع الناس لتحقيق المصالح ودرء المفاسد. من هنا لا يصح سؤال من يقول: " وهل يحتاج الله لعبادتنا؟ "، لأننا نحن الذين بحاجة إلى عبادته تعالى، فعبادته سبحانه هي التي تحقق مصالحنا، ومردودها على الفرد والجماعة واضح وملموس. والله تعالى يقول:"إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر".

يمكن أن يقودنا هذا إلى القول بأنّ العبادة وسيلة لإصلاح الدنيا من أجل صلاح الآخرة. ومن أبرز الأدلة على أنّ العبادة وسيلة وليست غاية أنّ تكاليف بالعبادات في الدنيا غير موجودة في الآخرة. وعليه فلو كان الله تعالى قد خلقنا من أجل هذه العبادات لكانت من أهم حقائق الآخرة.

إذن فلماذا خلقنا الله؟!

حتى نصل إلى الإجابة عن هذا السؤال نقوم أولاً بطرح المثال الآتي:

لدينا ساعة يد، ويمكن أن نسأل حولها ثلاثة أسئلة أساسيّة: هل احتاجت الساعة إلى صانع؟ كيف صنعت الساعة؟ لماذا صنعت الساعة؟

السؤال الأول: هل احتاجت الساعة إلى صانع؟ ونقصد بالصانع هنا الصفات الآتية: العلم، الإرادة، القدرة. وللإجابة عن هذا السؤال لا بد أن ننظر في السّاعة. وبمجرد النظر السريع إلى السّاعة يحكم الإنسان على الفور بأنّها احتاجت إلى صانع. ويمكن أن نتلقى إجابة إيجابية 100% من قبل كل العقلاء من غير تردد. وهذا أمر بدهي. فالإجابة عن سؤال: هل صنع؟ يكون فقط عن طريق النظر في المصنوع.

السؤال الثاني: كيف صنعت السّاعة؟ للإجابة عن هذا السؤال لا بد من النظر في السّاعة، أو سؤال الصانع. وتنخفض هنا نسبة الذين يمكنهم أن يجيبوا عن هذا السؤال إجابة إيجابية.

السؤال الثالث: لماذا صنعت السّاعة؟ وحتى نجيب عن هذا السؤال لا بد أن يكون لدينا علم بالخلفيّات التي سبقت الوجود، أي لا بد من العلم مسبقاً بأنّ البشر قد قسّموا اليوم إلى 24 جزءاً، ثم قسّموا كل جزء منها إلى 60 جزءاً، ثم قسّموا كل جزء إلى 60 جزءاً أيضاً. إذا لم تُعلم هذه الخلفيّة التي سبقت وجود الساعة فلا يمكن اطلاقاً معرفة الإجابة عن هذا السؤال على وجه الجزم. ويرجع سبب عدم إمكانيّة الإجابة إلى كون سؤال (لماذا) يتعلق دائماً بعالم ما قبل الوجود. أمّا سؤال (هل) وسؤال (كيف) فيتعلقان بالوجود. لذلك يمكن معرفة الإجابة عنهما عن طريق النظر في الوجود، على خلاف سؤال (لماذا) المتعلّق بما قبل الوجود.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015