لصِحَّة الاستنباط شروطٌ تعرض لها عددٌ من الأئمة كابن تيمية (ت:728) وابن القيم (ت:751) والشاطبي (ت:790) في مقامات وعبارات متشابهة, وهي تتطابق مع شروط التفسير على الإشارة والقياس التي ذكرها ابن القيم (ت:751) فقال: (وهذا – أي التفسير على الإشارة والقياس - لا بأس به بأربعة شرائط: 1 - أن لا يناقض معنى الآية, 2 - وأن يكون معنى صحيحاً في نفسه, 3 - وأن يكون في اللفظ إشعار به, 4 - وأن يكون بينه وبين معنى الآية ارتباط وتلازم. فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة كان استنباطاً حسناً) (62) , وقال الشاطبي (ت:790): (كون الباطن هو المراد من الخطاب يشترط فيه شرطان, أحدهما: أن يصح على مقتضى الظاهر المقرر في لسان العرب, ويجري على المقاصد العربية. والثاني: أن يكون له شاهدٌ نصَّاً أو ظاهراً في محل آخر يشهد لصحته من غير معارض) (63) , وهذان الشرطان يلتقيان مع الشرط الثاني والثالث عند ابن القيم (ت:751) , وهذا بيان جميعها:

أولاً: أن لا يناقض المعنى المُستَنبَط معنى الآية: لأنه تابعٌ لها؛ مبنيٌّ عليها, فإذا عاد على معنى الآية بالنقض لم يعد استنباطاً منها, وانقطعت صلته بها, قال ابن القيم (ت:751): (والمقصود بالأقيسة والاستنباطات فهم المنقول لا تخطئته) (64)؛ لأنها كالشواهد على المعاني, ولا يصح أن يأتي الشاهد بتجريح ولا تكذيب. (65)

ثانياً: وأن يكون معنىً صحيحاً في نفسه: وهذا شرطٌ لقبوله, وما ليس كذلك لا يَصِحُّ منفرداً بنفسه, فضلاً عن أن يُزعَم ارتباطه بآيٍ من كتاب الله تعالى, قال القرطبي (ت:671): (من قال في القرآن بما سنح في وهمه وخطر على باله من غير استدلال عليه بالأصول فهو مخطئ, ومن استنبط معناه بحمله على الأصول المحكمة المتفق على معناها فهو ممدوح) (66).

وصدقُ القضية, ومطابقة المعنى للواقع, وعدم تناقضه واستحالته, وعدم مخالفته لنصوص الشرع وقواعده = من شروط صحة التفسير به مباشرةً أو استنباطاً, ولهذا الشرط أمثلةٌ كثيرة في تفاسير السلف. (67)

ويتبع هذا الشرط: العناية بتحرير معنى الاستنباط وإيضاحه, ورَدِّ الشُّبَه والإيرادات الواردة عليه, واستفراغ الوُسعِ في الاستدلال عليه وتأصيله. (68)

ثالثاً: وأن يكون في اللفظ إشعارٌ به: فيدخل في تنبيهه وإشارته ومعاني معانيه, ويتبع هذا موافقة المعنى المستنبَط للعربية, وعدمُ خروجه عن لسان العرب وسَنَنِها في كلامها, قال الشاطبي (ت:790): (الاجتهاد إن تعلق بالاستنباط من النصوص فلا بد من اشتراط العلم بالعربية) (69) , وقال: (كلُّ معنىً مستنبط من القرآن غيرِ جارٍ على اللسان العربي = فليس من علوم القرآن في شيء؛ لا مِمَّا يُستَفاد منه, ولا مِمَّا يُستَفاد به, ومن ادَّعى فيه ذلك فهو في دعواه مبطل) (70)؛ وذلك الاشتراط ليتمكن المفسر من علم وجه دلالة اللفظ وإشارته على المعنى المستنبَط منه؛ إذ اللفظ كالمدخل لهذه المعاني التابعة.

رابعاً: وأن يكون بينه وبين معنى الآية ارتباط وتلازم: وهي العلاقة بينهما؛ ليَصِحَّ كونه مستنبطاً منها, وإلا بَقِيَ الاستنباطُ بمعزلٍ عن معنى الآية, ولا علاقة تربطه بها. وهذه العلاقة بين المعنيين هي نسبة المعنى إلى المعنى التي سبق ذكرها في موضوع علم الاستنباط.

ويُضاف إلى تلك الشروط:

خامساً: أن يكون المعنى المستنبَطُ مفيداً, إذ ينبغي صيانةُ كلام الله تعالى عمَّا لا فائدةَ فيه من المعاني تفسيراً أو استنباطاً (71) , وما لا فائدة فيه من المعاني يشملُ كُلَّ معنىً أبطل معنى الآية الظاهر, أو نزل ببيان القرآن العالي, أو حَطَّ من إجلاله وتعظيمه الواجب, أو ارتبط بعلوم فاسدة, أو لا فائدة فيها شرعية أو دنيوية (72) , قال الرازي (ت:606) في تعليله لأحد المعاني: (ومعلومٌ أن حمل الآية على محملٍ تبقى الآية معه مفيدة, أولى من حملها على محملٍ تبقى الآية معه مجملة) (73) , وهذا مُطَّردٌ في عامَّة المعاني المباشرة والمُستَنبَطة.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015