موتها وبث فيها من كل دابة ... " الآية؛ ومعلوم أن بث الدواب ـ مثلاً - كان بعد خلق السماوات والأرض، وكذلك خلق آدم، كان يوم الجمعة كما هو ثابت في العديد من الأحاديث الصحاح فلا غرابة في هذا الحديث على الإطلاق متناً، خلافاً لما ذهب إليه ابن كثير، بل هو حديث صحيح معناً كما بينا، وصحيح سنداً كما سنبين وللحديث بقية =

ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[07 عز وجلec 2009, 12:00 ص]ـ

(هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيءٍ عليم)

ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله- تفسير هذه الآيه ثم ذكر حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي فقال: " خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبثّ الدواب فيها يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة من آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل".

وقد ذكر الحديث برواية الإمام مسلم والنسائي وقد ذكره في ثلاثة مواضع أخر في سورة الأعراف والسجدة وفصلت.

وقد عقب عليه بما يفيد: أنه لا يراه حديثاً مرفوعاً، بل يراه من جملة أخبار بني إسرائيل.

قال القاضي محمد أحمد كنعان/

وهذا اتجاه مستغرب من ابن كثير، ولعله اضطر إلى هذا الاتجاه، بسبب لبس حصل لديه، فظن أن ثمة تناقضًا بين هذا الحديث، وقولِهِ تعالى) في ستة أيام) كما قال في سورة الأعراف، وليس كذلك كما سنبين.

فبعد ذكر هذا الحديث قال ابن كثير ما نصه: " وهذا الحديث من غرائب صحيح مسلم، وقد تكلم عليه: علي بن المديني، والبخاري، وغير واحد من الحفاظ، وجعلوه من كلام كعب، وأنّ أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وإنما اشتبه على بعض الرواة فجعلوه مرفوعًا، وقد حرر ذلك البيهقي).

وقد قال نحو هذا في المواضع الثلاثة الأخرى أيضًا، وقولُ ابن كثير هذا ليس مطابقًا للواقع من جميع الوجوه، ويحتاج إلى إيضاح وتبيان، إذ ليس الأمر كلُّه كما قال، فنقول:

أولاً: قوله: "وهذا الحديث من غرائب الصحيح" ليس كما قال، فلا غرابة في هذا الحديث إطلاقًا، وقد بين سبب استغرابه هذا في تعقيبه على الحديث في تفسير الآية} 54 {من سورة الأعراف حيث قال: " وفيه استيعاب الأيام السبعة، والله يقول: في ستة أيام، ولهذا تكلم البخاري وغير واحد من الحفاظ في هذا الحديث" ... إلخ

فالصحيح: أن الأيام الستة التي تمَّ فيها خلق السماوات والأرض، هي غير الأيام السبعة الوارد ذكرها في هذا الحديث، إذ عندما خلق الله السماوات والأرض، لم يكن ثمَّة شمس، ولم يكن ثمَّة بشر، فمن أين جاءت تسمية الأيام الستة، بأيام الأسبوع المعروفة لدينا، ما عدا السبت؟ والغريب من ابن كثير هنا: أنه في تفسير آيات خلق السماوات والأرض، في سورتي الأعراف وفصلت، قد سمى الأيام الستة، بدءًا من الأحد حتى الجمعة، معتبرًا أن خلق السماوات والأرض تم فيها، وقال في موضع سورة الأعراف: "فأما يوم السبت فلم يقع فيه خلق، لأنه اليوم السابع، ومنه سمي السبت وهو: القَطْع"، وهذا التحديد هو قطعًا من أخبار بني إسرائيل، واليهود حتى الآن يعتقدون: أن الله استراح يوم السبت - والعياذ بالله - وقد ذكر ابن كثير نفسه قولَ اليهود هذا، في سبب نزول قوله تعالى: (ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب) أي: إعياء وتعب.

إذًا: فالأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض، هي أيام لا أسماء لها على الصحيح، وكل ما تناقله المفسرون من تسميتها، فهو من الإسرائيليات عن عبدالله بن سلام - رضي الله عنه - وغيره، أما الأيام السبعة التي ذكرت في هذا الحديث، فهي أيام أخرى، حصل فيها خلق مخلوقاتٍ، بعد خلق أصل السماوات والأرض في ستة أيام، ومعناه مطابق تمام المطابقة لمعنى: "الدَّحْي" في قوله تعالى: (أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها * رفع سمكها فسوًّاها * وأغطش ليلها وأخرج ضحاها * والأرض بعد ذلك دحاها *) ثم فسر دَحْي الأرض بقوله: (أخرج منها ماءها ومرعاها * والجبال أرساها) وهذا النص صريح في أن إخراج الماء والمرعى، وإرساء الجبال، كانا بعد خلق السماوات والأرض، وهذا ما تضمنه الحديث، ويؤيد ذلك رواية النسائي التي جاء في أولها: " إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ثم خلق التربة يوم السبت " الحديث .. وقد ذكره ابن كثير بنصه في "سورة السجدة" كما أشرنا، وهذا الحديث يتطابق مع قوله تعالى في سورة البقرة: "إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة ... " الآية؛ ومعلوم أن بث الدواب ـ مثلاً - كان بعد خلق السماوات والأرض، وكذلك خلق آدم، كان يوم الجمعة كما هو ثابت في العديد من الأحاديث الصحاح فلا غرابة في هذا الحديث على الإطلاق متناً، خلافاً لما ذهب إليه ابن كثير، بل هو حديث صحيح معناً كما بينا، وصحيح سنداً كما سنبين وللحديث بقية =

بحث الشيخ عبد القادر السندي هذا الإشكال في بحث بعنوان إزالة الشبهة عن حديث التربة، بين فيه أنه ليس هناك تعارض حقيقي بين معنى هذا الحديث الشريف، وما ورد في كتاب الله من خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، وأن الحديث صحيح ولا إشكال فيه بحمد الله.

وهو بحث منشور في مجلة الجامعة الإسلامية، ويمكن الرجوع إليه عبر هذا الرابط: إزالة الشبهة عن حديث التربة ( http://www.almenhaj.net/TextSubject.php?linkid=7554)

ولعل أخانا عبدالله [مجاهد] الشهري يكمل لنا موضوعه هذا؛ فأحب الإعمال إلى الله أدومها وإن قل.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015