9_ حصول رحمة أهل البلاء: فالذي يبتلى بأمر ما _ يجد في نفسه رحمة لأهل البلاء، وهذه الرحمة موجبة لرحمة الله وجزيل العطاء؛ فمن رَحِمَ من في الأرض رَحِمَهُ من في السماء.
10_ حصول الصلاة من الله والرحمة والهداية: قال _تعالى_: [وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ] سورة البقرة: 155_157.
11_ حصول الأجر، وكتابة الحسنات وحط الخطيئات: قال -صلى الله عليه وسلم -: "ما من شيء يصيب المؤمن، حتى الشوكةِ تصيبه، إلا كتب الله له بها حسنة، أو حُطت عنه بها خطيئة" (13).
قال بعض السلف: "لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس" (14).
بل إن الأجر والثواب لا يختص به المبتلي فحسب، بل يتعداه إلى غيره؛ فالطبيب المسلم إذا عالج المريض واحتسب الأجر كتب له الأجر _ بإذن الله _؛ فمن نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.
وكذلك الذي يزور المريض المبتلى يكتب له الأجر، وكذلك من يقوم على رعايته.
12_ العلم بحقارة الدنيا وهوانها: فأدنى مصيبة تصيب الإنسان تعكر صفوه، وتنغص حياته، وتنسيه ملاذَّه، والكَيِّسُ الفَطِنُ لا يغتر بالدنيا، بل يجعلها مزرعة للآخرة.
13_ أن اختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه: وهذا سر بديع، يحسن بالعبد أن يتفطن له؛ ذلك أن الله _ عز وجل _ أرحم الراحمين، وأحكم الحاكمين؛ فهو أعلم بمصالح عباده منهم، وهو أرحم بهم من أنفسهم ووالديهم.
وإذا أنزل بهم ما يكرهون كان خيراً لهم من ألا ينزل بهم؛ نظراً منه لهم، وإحساناً إليهم، ولطفاً بهم.
ولو مكنوا من الاختيار لأنفسهم لعجزوا عن القيام بمصالحهم، لكنه _عزوجل_ تولى تدبير أمورهم بموجب علمه، وعدله، وحكمته، ورحمته أحبوا أم كرهوا.
14_ أن الإنسان لا يعلم عاقبة أمره: فربما طلب ما لا تحمد عقباه، وربما كره ما ينفعه، والله _عز وجل_ أعلم بعاقبة الأمر.
قال ابن القيم - رحمه الله -: "فقضاؤه للعبد المؤمن عطاء وإن كان في صورة المنع، ونعمة وإن كان في صورة محنة، وبلاؤه عافية وإن كان في صورة بلية.
ولكن لجهل العبد وظلمه لا يعد العطاء والنعمة والعافية إلا ما التذ به في العاجل، وكان ملائماً لطبعه.
ولو رزق من المعرفة حظَّاً وافراً لعدَّ المنع نعمة، والبلاء رحمة، وتلذذ بالبلاء أكثر من لذته بالعافية، وتلذذ بالفقر أكثر من لذته بالغنى، وكان في حال القلة أعظم شكراً من حال الكثرة" (15).
15_ الدخول في زمرة المحبوبين لله _عز وجل_: فالمبتلون من المؤمنين يدخلون في زمرة المحبوبين المُشَرَّفين بمحبة رب العالمين؛ فهو _سبحانه_ إذا أحب قوماً ابتلاهم، وقد جاء في السنة ما يشير إلى أن الابتلاء دليل محبة الله للعبد؛ حيث قال النبي- صلى الله عليه وسلم -: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط" (16).
16_ أن المكروه قد يأتي بالمحبوب والعكس: فإذا صحت معرفة العبد بربه علم يقيناً أن المكروهات التي تصيبه، والمحن التي تنزل به أنها تحمل في طياتها ضروباً من المصالح والمنافع لا يحصيها علمه، ولا تحيط بها فكرته.
بل إن مصلحة العبد فيما يكره أعظم منها فيما يحب؛ فعامة مصالح النفوس في مكروهاتها، كما أن عامَّة مضارها وأسباب هلكتها في محبوباتها، قال_تعالى_: [فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً] سورة النساء: 19.
وقال: [وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ] سورة البقرة: 216.
فإذا علم العبد أن المكروه قد يأتي بالمحبوب، وأن المحبوب قد يأتي بالمكروه _ لم يأمن أن توافيه المضرة من جانب المسرة، ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة (17).
إلى غير ذلك من الحكم التي قد يعلمها بعض الناس وقد لا يعلمها.
******************************
1. انظر أصول الدين للبغدادي ص150_151، مجموع الفتاوى 8/ 35_36، وبيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلاميه لابن تيمية 1/ 197_203، وشرح العقيدة الأصفهانية لابن تيمية ص261_263، والقضاء والقدر د. عبدالرحمن المحمود 242_248، وموقف ابن تيمية من الأشاعرة د. عبدالرحمن المحمود 3/ 1310_1312.
2. شفاء العليل، لابن القيم ص419.
3. شفاء العليل، ص418.
4. شفاء العليل، ص418.
5. انظر كلاماً عظيماً في هذا المعنى في زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم 3/ 218_241.
6. شفاء العليل، ص498.
7. شفاء العليل، ص499_500.
8. رواه مسلم (2999).
9. تسلية أهل المصائب للمنبجي ص25.
10. الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا ص22.
11. ديوان المتنبي 3/ 86.
12. شفاء العليل، ص499.
13. رواه مسلم (2572).
14. برد الأكباد ص46.
15. مدارج السالكين 2/ 215_216.
16. أخرجه الترمذي (2396) وابن ماجة (4031) من حديث أنس، وحسنه الترمذي، والألباني في صحيح الترمذي 2/ 286.
انظر تفصيل الحديث عن حكم المصائب في: صيد الخاطر لابن الجوزي ص91_95 و213_215 و327_328، والفوائد لابن القيم ص137_139 و178_179 و200_202، وبرد الأكباد ص37_39.
¥