وكان الميزان الذي ارتفع به بلال هو ميزان السماء. . عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:" يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام منفعة عندك. فإني سمعت الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنة ". فقال: ما عملت في الإسلم عملا أرجى عندي منفعة من أني لا أتطهر طهورا تاما في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي.

وكان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول عن عمار بن ياسر وقد استأذن عليه:" ائذنوا له مرحبا بالطيب المطيب ". . وقال عنه:" ملئ عمار - رضي الله عنه - إيمانا إلى مشاشه ". . وعن حذيفة - رضي الله عنه قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:" إني لا أدري ما بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي - وأشار إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما - واهتدوا بهدي عمار. وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه ".

وكان ابن مسعود يحسبه الغريب عن المدينة من أهل بيت رسول الله. . عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قدمت أنا وأخي من اليمن , فمكثنا حينا وما نرى ابن مسعود وأمه إلا من أهل بيت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] من كثرة دخولهم على رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ولزومهم له".

وجليبيب - وهو رجل من الموالي - كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يخطب له بنفسه ليزوجه امرأة من الأنصار. فلما تأبى أبواها قالت هي: أتريدون أن تردوا على رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أمره ? إن كان قد رضيه لكم فأنكحوه. فرضيا وزوجاها.

وقد افتقده رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في الوقعة التي استشهد فيها بعد فترة قصيرة من زواجه. . عن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في مغزى له , فأفاء الله عليه. فقال لأصحابه:" هل تفقدون من أحد ? " قالوا: نعم فلانا وفلانا وفلانا. ثم قال:" هل تفقدون من أحد ? " قالوا: نعم فلانا وفلانا وفلانا. ثم قال:" هل تفقدون من أحد ? " فقالوا: لا. قال:" لكني أفقد جليبيبا " فطلبوه , فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه. فأتى النبي [صلى الله عليه وسلم] فوقف عليه , ثم قال:" قتل سبعة ثم قتلوه. هذا مني وأنا منه. هذا مني وأنا منه ". ثم وضعه على ساعديه , ليس له سريرا إلا ساعدا النبي [صلى الله عليه وسلم] قال: فحفر له , ووضع في قبره ولم يذكر غسلا.

بذلك التوجيه الإلهي وبهذا الهدي النبوي كان الميلاد للبشرية على هذا النحو الفريد. ونشأ المجتمع الرباني الذي يتلقى قيمه وموازينه من السماء , طليقا من قيود الأرض , بينما هو يعيش على الأرض. . وكانت هذه هي المعجزة الكبرى للإسلام. المعجزة التي لا تتحقق إلا بإرادة إله , وبعمل رسول. والتي تدل بذاتها على أن هذا الدين من عند الله , وأن الذي جاء به للناس رسول!

وكان من تدبير الله لهذا الأمر أن يليه بعد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] صاحبه الأول أبو بكر , وصاحبه الثاني عمر. . أقرب اثنين لإدراك طبيعة هذا الأمر , وأشد اثنين انطباعا بهدى رسول الله , وأعمق اثنين حبا لرسول الله , وحرصا على تتبع مواضع حبه ومواقع خطاه.

حفظ أبو بكر - رضي الله عنه - عن صاحبه [صلى الله عليه وسلم] ما أراده في أمر أسامة. فكان أول عمل له بعد توليه الخلافة هو إنفاذه بعث أسامة , على رأس الجيش الذي أعده رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وسار يودعه بنفسه إلى ظاهر المدينة. أسامة راكب وأبو بكر الخليفة راجل. فيستحيي أسامة الفتى الحدث أن يركب والخليفة الشيخ يمشي. فيقول:" يا خليفة رسول الله لتركبن أو لأنزلن ". . فيقسم الخليفة:" والله لا تنزل. ووالله لا أركب. وما علي أن أغبر قدمي في سبيل الله ساعة ? ". .

ثم يرى أبو بكر أنه في حاجة إلى عمر. وقد حمل عبء الخلافة الثقيل. ولكن عمر إنما هو جندي في جيش أسامة. وأسامة هو الأمير. فلا بد من استئذانه فيه. فإذا الخليفة يقول:" إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل ". . يالله! إن رأيت أن تعينني فافعل. . إنها آفاق عوال , لا يرقى إليها الناس إلا بإرادة الله , على يدي رسول من عند الله!

ثم تمضي عجلة الزمن فنرى عمر بن الخطاب خليفة يولي عمار بن ياسر على الكوفة.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015