ثم تأتي المرحلة الرابعة: وهي أوسع المراحل حيث امتدت من العصر العباسي إلى هذا اليوم، يقول- رحمه الله-: فبعد أن كان التفسير مقصوراً على رواية ما نقل عن سلف هذه الأمة، وجدناه يتجاوز هذه الخطوة إلى تدوين تفاسير اختلط فيها الفهم العقلي بالتفسير النقلي، وكان ذلك على تدرج ملحوظ،فبدأ أولاً على هيئة محاولات فهم شخصي وترجيح بعض الأقوال على بعض، وكان هذا أمراً مقبولاً مادام يرجع الجانب العقلي منه إلى حدود اللغة ودلالة كلمات القرآن. ولكن جانب الفهم العقلي أخذ يخرج عن إطاره المقبول مع مرور الزمن، إلى أن وصل إلى مرحلة قال عنها: حتى وُجد من كتب التفسير ما يجمع أشياء كثيرة لا تكاد تتصل بالتفسير إلا عن بُعد عظيم.
واشتملت المقدمة كذلك على مبحث في: مبدأ ظهور تلك الاتجاهات المنحرفة، مع دراسة تحليلية موجزة لأسباب ذلك.
ليس من الصعب على من يقرأ كلام المؤلف أن يخلص إلى أنه يرجع أسباب تلك الانحرافات إلى عاملين: أولهما: حذف الأسانيد، والعامل الآخر: اتجاه أهل الرأي في تفسير القرآن،حيث يقول: ولاشك في أن انتهاء التفسير بالرأي إلى إخضاعه لميولٍ شخصية ومذاهب عقدية وغير عقدية فتح على المسلمين باب شر عظيم. ولهذا العامل عنده سببان:
أولهما: أن يعتقد المفسر معنى من المعاني، ثم يريد أن يحمل ألفاظ القرآن على ذلك المعنى قسراً، وإن كان ما قصد إليه معنى حساً، ولكن لا علاقة له بالآية، كمن فسر قوله تعالى: ((ولَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم)) [النساء / 66]، بأن قتل النفس هنا: مخالفتها، والخروج من الديار هو: إخراج حب الدنيا من القلوب. وقد يكون المعنى الذي قصد إليه خطأ أصلاً، ومع هذا يريد أن يحمل كلام الله عليه، ومثل على ذلك بمن فسر قوله تعالى: ((واذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وتَبَتَّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلاً)) [المزمل /8] اذكر اسم ربك الذي هو أنت، أي: اعرف نفسك ولا تنسها فينسك الله.
والسبب الثاني: أن يقف المفسر مع ظاهر اللفظ،دون نظر في حال القوم الذين نزل فيهم القرآن، أو سبب نزول الآية.
وبعد هذه المقدمة، بدأ في تناول الاتجاهات المنحرفة وهي:
1 - اتجاه الإخباريين والقصاص.
2 - اتجاه أصحاب المذاهب النحوية.
3 - اتجاه من يجهل قواعد النحو.
4 - اتجاه المعتزلة.
5 - اتجاه الشيعة.
6 - - اتجاه الخوارج.
7 - اتجاه الصوفية.
8 - اتجاه أصحاب التفسير العلمي.
9 - اتجاه مدعي التجديد.
وقد استغرق الكلام على هذه الاتجاهات بقية الكتاب، وسنقتصر في هذا المقال على ذكر اتجاهين اثنين، أحدهما قديم والآخر حديث، هما: الشيعة ومدعي التجديد.
وقد نهج المؤلف في دراسته لهذه الاتجاهات نهجاً تحليلاً موفقاً، فبدأ وقدم لكل اتجاه بمقدمة موجزة تكلم فيها عن مذهب القوم وبعض عقائدهم التي تخالف عقائد أهل السنة، ثم أخذ أمثلة من تفاسيرهم، وذكر انحرافاتهم فيها، وكيف أوّلوا آيات القرآن لتوافق آراءهم ومذاهبهم، ويتبع ذلك غالباً بالرد على ادعاءاتهم، وإبطال تأويلاتهم.
الاتجاهات المنحرفة في تفسير الشيعة:
بدأ الحديث عن الشيعة بذكر أقسامهم من جهة غلوهم في أمير المؤمنين علي بن أبى طالب- رضي الله عنه-، ولخص بعد ذلك عقائد الإمامية الإثني عشرية القائلين بإمامة اثني عشر إماماً، فقال: وللإمامية الإثني عشرية تعاليم، أشهرها: العصمة والمهدية والرجعة والتقية. وأتبع ذلك بشرح موجز لكل عقيدة من هذه العقائد.
وتكلم بعد ذلك عن تفاسير القوم، وضرب أمثلة لكيفية اعتسافهم لآيات القرآن الكريم لتوافق عقائدهم، وحسبنا أن نورد هنا مثالاً واحداً مما ورد في الكتاب، فقد نقل عن البحراني في تفسير للآيتين 8، 9 من سورة الذاريات: ((إنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ)) أنه قال: يروى عن أبي جعفر أنه قال في تفسيرها: اختلف في ولاية هذه الأمة، فمن استقام على ولاية عليِّ دخل الجنة، ومن خالف ولاية عليِّ دخل النار، وأما قوله: ((يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ)) قال: يعني علياً، ومن أفك عن ولايته أفك عن الجنة. ثم يرد المؤلف على هذا الانحراف رداً منهجياً جيداً حيث يقول: ولسنا بحاجة إلى الإطالة في إبطال هذا الاتجاه، بعدما أثبت لنا علماء الحديث ونقاده أن
¥