إياك أن تدخل على عجل، فتحطم الدر بقدميك، ويفوتك الفرق بين أفعلت وأأنت فعلت

ـ[أبو صفوت]ــــــــ[26 عز وجلec 2008, 10:07 م]ـ

فائدة في الفرق بين قولك: أفعلت، وأأنت فعلت تجدها في نهاية الكلام المنقول: قال عبد القاهر في باب التقديم والتأخير، " ... إلا أن الشأن في أنه ينبغي أن يعرف في كل شيء قدم في موضع من الكلام مثل هذا المعنى، ويفسر وجه العناية فيه هذا التفسير. وقد وقع في ظنون الناس يكفي أن يقال: إنه قدم للعناية، ولأن ذكره أهم، من غير أن يذكر من أين كانت تلك العناية؟ وبم كان أهم؟ ولتخيلهم ذلك قد صغر أمر التقديم والتأخير في نفوسهم، وهونوا الخطب فيه. حتى إنك لترى أكثرهم يرى تتبعه، والنظر فيه ضرب من التكلف. ولم تر ظناً أزرى على صاحبه من هذا وشبهه.

وكذلك صنعوا في سائر الأبواب، فجعلوا لا ينظرون في الحذف والتكرار، والإظهار والإضمار، والفصل والوصل، ولا في نوع من أنواع الفروق والوجوه، إلا نظرك فيما غيره أهم لك، بل فيما إن لم تعلمه لم يضرك. لا جرم أن ذلك قد ذهب بهم عن معرفة البلاغة ومنعهم أن يعرفوا مقاديرها، وصد أوجههم عن الجهة التي هي فيها، والشق الذي يحويها، والمداخل التي تدخل منها الآفة على الناس في شأن العلم. ويبلغ الشيطان مراده منهم في الصد عن طلبه، وإحراز فضيلته كثيرة. وهذه من أعجبها إن وجدت متعجباً وليت شعري إن كانت هذه أموراً هينة، وكان المدى فيها قريباً، والجدا يسيراً، من أين كان نظم أشرف من نظم؟ وبم عظم التفاوت؟ واشتد التباين؟ وترقى الأمر إلى الإعجاز؟ وإلى أن يقهر أعناق الجبابرة؟ أو هاهنا أمور أخر نحيل في المزية عليها، ونجعل الإعجاز كان بها، فتكون تلك الحوالة لنا عذراً في ترك النظر في هذه التي معنا، والإعراض عنها، وقلة المبالاة بها؟ أو ليس هذا التهاون إن نظر العاقل خيانة منه لعقله ودينه؟ ودخولاً فيما يزري بذي الخطر. ويغض من قدر ذوي القدر؟ وهل يكون أضعف رأياً، وأبعد من حسن التدبر منك إذا أهمك أن تعرف الوجوه في " أأنذرتهم " والإمالة في " رأى القمر " وتعرف الصراط والزراط، وأشباه ذلك مما لا يعدو علمك فيه اللفظ وجرس الصوت، ولا يمنعك إن لم تعلمه بلاغة، ولا يدفعك عن بيان، ولا يدخل عليك شكاً، ولا يغلق دونك باب معرفة، ولا يفضي بك إلى تحريف وتبديل، وإلى الخطأ في تأويل، وإلى ما يعظم المعاب عليك، ويطيل لسان القادح فيك، ولا يعنيك ولا يهمك أن تعرف ما إذا جهلته عرضت نفسك لكل ذلك، وحصلت فيما هنالك. وكان أكثر كلامك في التفسير، وحيث تخوض في التأويل، كلام من لا يبني الشيء على أصله، ولا يأخذه من مأخذه، ومن ربما وقع في الفاحش من الخطأ الذي يبقى عاره، وتشنع آثاره. ونسأل الله العصمة من الزلل والتوفيق لما هو أقرب إلى رضاه من القول والعمل.

واعلم أن من الخطأ أن يقسم الأمر في تقديم الشيء وتأخيره قسمين، فيجعل مفيداً في بعض الكلام، وغير مفيد في بعض. وأن يعلل تارة بالعناية، وأخرى بأنه توسعة علم الشاعر والكاتب، حتى تطرد. لهذا قوافيه، ولذاك سجعه. ذاك لأن من البعيد أن يكون في جملة النظم ما يدل تارة ولا يدل أخرى. فمتى ثبت في تقديم المفعول مثلاً على الفعل في كثير من الكلام أنه قد اختص بفائدة لا تكون تلك الفائدة مع التأخير، فقد وجب أن تكون تلك قضية في كل شيء وكل حال. ومن سبيل من يجعل التقديم وترك التقديم سواء أن يدعي أنه كذلك في عموم الأحوال. فأما أن يجعله بين بين، فيزعم أنه للفائدة في بعضها وللتصرف في اللفظ من غير معنى في بعض، فمما ينبغي أن يرغب عن القول به. وهذه مسائل لا يستطيع أحد أن يمتنع من التفرقة بين تقديم ما قدم فيها، وترك تقديمه.

ومن أبين شيء في ذلك الاستفهام بالهمزة، فإن موضع الكلام على أنك إذا قلت: أفعلت؟ فبدأت بالفعل كان الشك في الفعل نفسه، وكان غرضك من استفهامك أن تعلم وجوده. وإذا قلت: أأنت فعلت؟ فبدأت بالاسم كان الشك في الفاعل من هو، وكان التردد فيه. ومثال ذلك أنك تقول: أبنيت الدار التي كنت على أن تبنيها؟ أقلت الشعر الذي كان في نفسك أن تقوله؟ أفرغت من الكتاب الذي كنت تكتبه؟ تبدأ في هذا ونحوه بالفعل لأن السؤال عن الفعل نفسه والشك فيه، لأنك في جميع ذلك متردد في وجود الفعل وانتفائه، مجوز أن يكون قد كان، وأن يكون لم يكن. وتقول:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015