احتج الجمهور لمذهبهم بقوله تعالى: ((لا يمسه إلا المطهرون)) وبحديث: (لا يمس القرآن إلى طاهر).

وأجابهم القائلون بالجواز: عن الآية بأن المراد بالمطَّهرين: الملائكة، وعن الحديث بأنه معلول.

وتحقيق ذلك:

أن الآية ليست بحجة في الباب، إذ أنّ حَملَ معنى الطهارة في قوله: ((المطَّهرون)) على الطهارة من الحدث بعيد، بل خطأ، وبيانه:

أنّ لفظَ الآية دالٌ على أنّ من وقع منه المس مطَّهر، وهذا ظاهر لا لبس فيه، والقرآن يمسّه المسلم، والكافر والنجس، والمنافق الفاجر.

فإن قيل: هو في معنى الطلب.

قلت:

هذا لا يساعدُ عليه لفظ ((المطهَّر)) لأنه اسم مفعولٍ وقع عليه التطهير لا منه، ولا يقال فيمن فعل الطهارة ((مطهّّر)) إنما يقال فيه: ((متطهِّر)) و ((ومطَهَّر)) منه قوله تعالى: ((فإذا تطهرن فأتوهنّ من حيث أمركم الله، إن الله يحب التوابين ويحب المتطَهِّرين)). وقوله: ((فيه رجالٌ يحبون أن يتطهَّروا، والله يحب المطَّهِّرين)).

فهذا يصير بنا لزاماً إلى القول بأنّ (المُطَهَّرين) ليسوا هم المكلفين، والآية خبرٌ في مبناها ومعناها، وليست طلباً.

وأما حديث: ((لا يمسُّ القرآن إلا طاهر)) فالصواب - عندي - أنّه حديث حسن، وقد احتج به الإمام أحمد بن حنبل، وصححه إسحاق بن راهويه، ولتحقيق القول في ثبوته مقام آخر.

وأما دلالته فهو عندي برهان على منع مسّ القرآن لمن لم يكن طاهراً.

هذا جملة.

أما فيما نحن بصدده فَيَرِدُ عليه: أنّض لفظ (الطاهر) مشترك بين الطهارة من الكفر، ومن الحدثين الأكبر (الجنابة) والأصغر، ومن النجاسة الواقعة على البدن.

فهذا إذن لفظٌ مجملٌ يحتاج إلى دليلٍ يُعيِّنُ المراد على الأصح من قول الأصوليين.

وبتأملِ ماوردتْ به الأدلة يظهرُ تحديدُ المرادِ وتعيينُهُ في هذه المسألة، وبيانه كما يأتي:

أخرج الشيخان من حديث أبي رافع عن أبي هريرة، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طريق المدينة وهو جُنُب، (قال): فانخنست منه، فذهب فاغتسل ثمَّ جاء، فقال:

((أين كنت يا أبا هريرة؟)).

قال: كنت جنباً، فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة.

فقال:

((سبحان الله، إن المسلم لا ينجس)).

قلت - الشيخ الجديع -:

فهذا الحديث ظاهر الدلالة على أنّ اسم الإسلام يُثبِتُ لصاحبه الطهورية، وأنّ وصف الطهارة لازمٌ له بإسلامه، لا يُخرِجُهُ منه حدثٌ غيرُ الكفر.

ويؤيّدَ هذا الاستدلال وجوهٌ:

الأول:

ورد سبب هذا الحديث بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم كَتَبَ به إلى أهل اليمن، وكان فيهم أهل كتاب، وهم كفار - أعني حديث ((لا يمس القرآن إلا طاهر)) -.

والثاني:

ما أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث عبدالله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

((لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو، فإني أخاف أن يناله العدو)).

والعدو هنا: الكفار بلا نزاع.

والثالث:

قوله تعالى: ((إنما المشركون نجس)).

وهذا - بغض النظر - عن النجاسة أهي حسية أو معنوية، فإن الآية أثبتت لزوم وصف النجس للمشرك لمجرد كفره وشركه، ولذا نُهيَ عن السفر بالمصحف إلى بلاد الكفار لئلا تمسّه أيديهم لأنهم نَجَسٌ.

فبهذا يَبِينُ - إن شاء الله - للمنصف أنّ المراد بقوله ((إلا طاهر)): إلا مسلم، لا يمسه كافر.

وقد أخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي من طريق أيوب، عن ابن مليكة، عن ابن عباس:

أنّ النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء، فأتي بطعام، فقيل له: ألا تتوضأ؟ فقال:

((إنما أُمِرتُ بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة)).

قلت " الكلام للجديع ":

وإسناده صحيح، وصححه الترمذي.

فقوله: (إنما) أداة حصر، كما تقرر في اللغة والأصول، وعليه فهذا الحديث أفاد وجوب الوضوء حال القيام إلى الصلاة لا غير.

فاعتُرِضَ عليه بوجوب الوضوء للطواف بالبيت.

قلت " الشيخ الجديع ":

وليس بجيد، فقد صح من حديث ابن عباس مرفوعاً أنّ الطواف بالبيت صلاة إلا أنه أُحِلَّ فيه الكلام.

وهذا دال على فرض الوضوء لأجله.

ويبقى الأمر فيما سوى ذلك على الجواز، فالمسلم يمس القرآن على جميع أحواله لثبوت طهارته بإسلامه، ولا يلزمه لذلك ما يلزمه لأجل الصلاة والطواف من فرض الوضوء.

ـ[راوية]ــــــــ[08 Jan 2009, 12:23 م]ـ

جزاك الله خير وجزى الشيخ خيرالجزاء

ـ[ابن رجب]ــــــــ[08 Jan 2009, 11:12 م]ـ

كلام وبحث نفيس جداً من المشائخ الفضلاء وأما مسألة:الوجوب فأقول - والله أعلم - أن هذا القول وإن كانت الفتوى على ذلك ففي النفس منه شيء من عدة أمور:

1 - الآية ليست صريحة في ذلك (لايمسه) لأن بعض أهل التفسير أعلد الضمير على اللوح المحفوظ.

2 - حديث (لايمس القرآن إلا طاهر) أقول مادام المسألة تحريم أو تحليل فلابد أن يثبت ذلك بدليل صريح صحيح لا كما قال أبن المنذر رحمه الله (شهرته تغني البحث فيه) فقال بعض مشائخنا: أن هذا غير صحيح. فلا بد من ثبوت النص.

ولا زلت أبحث عن نص فاصل في ذلك وليست أدلة لها عدة إحتمالات وعدة أوجه

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015