ولستُ الآن بصدد حديثٍ منسَّق ومحضَّر في موضوع نقد الإعجاز العددي، لكن استوقفني كلام أورده هنا فأحببت أن أعرض بعض الملاحظات عليه مما هي وليدة الخاطر.

قلتَ:

رأيتُ القرآن يبدأ بسورة عدد آياتها 7 وينتهي بسورة عدد آياتها 6 ...

أنا تساءلت: ما السر إن كان هناك سر؟

بعد البحث والتدبر:

اكتشفت أن الله خلق الكون في 6 أيام وورد هذا اللفظ " في ستة أيام ": في 7 آيات ...

ثم أشرت بعد هذا المثال إلى ما يفيد أن هذه هي طريقتك في البحث والكشف عن أوجه ما يُسمى بالإعجاز العددي للقرآن الكريم، وهذا في نظري ملحظ مفصلي في القضية، ويمكن الانطلاق منه، كما ان الكلام فيه ينطبق على ما سواه من الأمثلة والتطبيقات.

يظهر جليا أن البحث هنا غير مستند على أساس علمي، بل على الظن والتخمين.

أما الظن فلأن التساؤل (ما السر؟) ليس له مسبب أصلا، إذ ليس في كون أول سورة سبع آيات، وآخر سورة ست آيات =ما يثير التساؤل والاستغراب والبحث عن نكتة، ويشعر بهذا قولك: "إن كان هناك سر" فكيف يمكن أن نجعل مثل هذا أساساً لإثبات وجه إعجازي للقرآن الكريم؟!

ولا يخفى الجميع أن كل من تكلم في الإعجاز يشترط أن يكون الوجه المعجز مبنيا على ما تحقق ثبوته، وإلا كان تقوّلا مردودا.

وأما التخمين فهو مبني على الظن السابق، فلما لم يثبت وجه معجز ملفت للنظر وخارق للعادة ابتداءً =بدأ (البحث والتدبر) أملا في إيجاد ما يلبي التساؤل المفترض (ما السر؟) ولم يكن ثَم طريق -والحال هذه- إلا التخمين والانتقاء بلا دليل "اكتشفت أن الله خلق الكون في 6 أيام ... وهذا ورد 7 مرات"!

فما السبب في هذا الانتقاء؟

وما العلاقة بين الأمرين؟

وهل يصلح مثل هذا ان يكون جواباً وكشفا للسر المختبئ؟!

ثم بعد هذا وذاك -وعلى فرض التسليم بأن هناك توافقا بين الأمرين- هل يمكن أن نجعل مثل هذا التوافق مثالا صحيحا لقضية الإعجاز العددي وإثباته؟

هل نقول: إن الله أراد هذا الترتيب وهذه الأعداد وأعجز بها الخلق؟!

المسألة تحتاج إلى تروٍ ووقوف كما هو ظاهر ..

ولها ذيول أخرى لعلها تُذكر لا حقا ..

وفقنا الله جميعا للعلم النافع والعمل الصالح

ثم أكملت الحديث بهذا الرد:

لقد قام العلماء منذ قرون متطاولة بعد سور القرآن الكريم وآياته وكلماته وحروفه ... وحزبوه، وحددوا النصف والربع والثمن والعشر ... وحددوا الحرف الذي يتوسط القرآن بالدقة ... حددوا حرف كذا كم تكرر مرة، والمواطن التي أثبت فيها الحرف من كلمة معينة، والمواطن التي حذف منها ....

والكلام في مثل هذا يطول، وأمثلته لا يسعها المقام، ومحلها كتب علم الرسم.

في هذا دليل على أن هذه المسألة ليست مما خفيت عليهم أو مما لم يتوفر لهم أسبابها، فهم قد كانوا أولا أقرب للوحي، ثم إنهم كانوا أكثر حفظا، وأشد حرصا، مع توفر الذكاء والنجابة والإبداع، وكانت الدولة الإسلامية في أوج ازدهارها، وكان الحرصُ على خدمة الوحيين وعلوم الإسلام جميعا =هماً تظافرت فيه جهود العلماء بمختلف مشاربهم ومواطنهم.

وقد كانوا يذكرون جملة مما يصادفهم من موافقات، يذكرونها على أنها من المُلح واللطائف، ولم يرد عن أحد منهم أن هذا يمكن أن يُبنى عليه قضية معجزة، أو أمر خارق للعادة أراده الله تعالى وأودع سره في القرآن تحديا للخلق وإبهارا.

وما أشرت إليه أخي الكريم من مصادفات يلاحظ عليها ما يلي:

1/ أن الكلام فيها كله مبني على أمور لو تخلف منها شيء لانهار البناء ولو يبق للموافقة أو المصادفة وجه، فترتيب السور، وعد الآي، واختلاف الرسم، واختلاف القراءة ... كل هذه لو أخذنا بالخلاف المعروف في أحدها لانتقضت المصادفة وتخلف الاتفاق، ولم يبق بعدها لمن أراد البحث عن أسرار =من معتمد يبني عليه.

2/ من الخطأ الجلي أن نأتي لاختيار وقول محدد في الأمور السابقة كلها، ونأخذ به، ونلغي ما سواه، ثم نقول هذا هو الوجه ولا وجه غيره، والله تعالى أراد هذا الترتيب قطعا!

3/ لو سلمنا بأن وجها من أوجه المصادفة والاتفاق يمكن أن يتأتى على قراءة محددة، فإن هذا الوجه أو هذه الأوجه ينبغي أن تكون ظاهرة واضحة يصل إليها من أرادها بأقرب طريق.

لكن الملاحظ فيما ذُكر هنا ويذكر في مواطن أخرى أن التكلف والتلفيق يظهران بجلاء لكل أحد، والكلام في وجه هذا التكلف فيه إعادة وتطويل، ولو أردتَ ذكره لذكرتُه.

أرجو أن يكون في هذه الخطوة العملية إجابات وافية لهذه الاشكالات ...

ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[14 Jan 2009, 10:23 م]ـ

الأخ الفاضل العبادي ... والأخوة الكرام

المثال الذي ذكره الأخ العبادي نقلاً عن الأخ جلغوم نوافق أن فيه تكلف ويشغب على مسألة الإعجاز العددي.

القراءات هي متواترة وما يصح عددياً في قراءة ليس بالضرورة أن ينطبق على قراءة أخرى كما هو الأمر في المعانى.

الإعجاز العددي يتعلق بترتيب السور وعدد الآيات والكلمات والحروف ... والاختلاف المحدود في هذه الأمور لا يؤثر في حقيقة وجود الإعجاز العددي.

تكرر كثيراً ضرورة إشراف أهل الاختصاص الشرعي لوضع الضوابط وما أعلمه من واقع المشرفين على أبحاث مركز نون للدراسات القرآنية أنهم من أهل الاختصاص الشرعي المتعمق والمحترف وهذا معلوم تماماً في فلسطين. ومن هنا لا نجد اعتراضات حقيقة على بحوث مركز نون إلا ما كان من بحوث قبل نشأة المركز عام 1998م.

لقد لاحظ كل من حضر المؤتمر الدولي للإعجاز العددي في الرباط تميّز أبحاث مركز نون. ومن هنا أدعو أهل الاختصاص والاهتمام إلى أن يعطوا من وقتهم لدراسة هذه البحوث خدمة للقرآن الكريم.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015