يحذف ما لا يستطيع عقله إدراكه بل عليه أن يتعامل معه كما هو! لا أن يقول بالمجاز أو التقديم والتأخير وما شابه من أشكال الجدال والتدخل البشري في النص.

قد يقول قائل: ولكن هذا جائز في لغة العرب , ومن الممكن قبوله في كتاب الله عزوجل. نقول: ومن قال أن كتاب الله عزوجل أنزل على شاكلة كلام العرب الذي قد يحتوي الخطأ والصواب أو الغير منطقي – من المستعمِل – في طريقة الاستعمال , الله عزوجل قال أن كتابه بلسان عربي مبين , نعم ولكنه وصف كتابه بعدة أوصاف لم ولن تجتمع في أي كتاب آخر إلا كتابه الواحد الفريد العزيز , ولكن لما كان المفسرون يتعاملون مع كتاب الله كما يتعاملون مع أي نص بشري آخر ولم يلتفتوا إلى وصف المولي الخبير لكتابه أخذوا يطبقون أساليبا عجيبة على كتاب الله عزوجل , وحتى لا يكون الكلام مجرد كلام نظري نعرض للقارئ الكريم كيف وصف الله عزوجل كتابه:

من يقرأ كتاب الله عزوجل يجد أن رب الكتاب يقول عنه أنه كله: محكم مفصل متشابه , بعضه محكم وبعضه متشابه , فهو محكم ومفصل كما جاء في قوله تعالى: " كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير " وهو متشابه كما جاء في قوله: " الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني ... " , وبعضه محكم وبعضه متشابه كما جاء في قوله " هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات " , فهل هناك نص بشري اجتمعت فيه هذه الأوصاف؟ لا , لم ولن يكون هناك نص بشري تجتمع فيه هذه الأوصاف , ولكن لما كان الكتاب من عند الحكيم الخبير كان الكتاب محكما مفصلا متشابها وبعضه محكم ومفصل في نفس الوقت.

قد بعجب القارئ من هذه الأوصاف ومن كيفية اجتماعها في كتاب الله عزوجل , ولكن لما كان كتاب الله - كما نصّ هو نفسه على ذلك – لا يوجد فيه الاختلاف " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " ناهيك عن التناقض, وجب أن نفهم هذه الآيات فهما متناسقا لا أثر للخلاف فيه , فنقول: لا بد أن ننبه القارئ الكريم أن الله عزوجل وصف كتابه بأنه متشابه وليس " مشتبها " وشتان بين الإثنين , فالإشتباه يعني الغموض والإشكال بل والاختلاف أحيانا , أمّا التشابه فهو بمعنى التشابه! أي أن بعضه يشبه بعضه بعضا ويؤيد بعضه بعضا , فلا وجه للخلاف أو للاختلاف. وعلى هذا الفهم المباشر لمعنى الكلمة فلا إشكال في كون كتاب الله عزوجل متشابها ومحكما مفصلا في نفس الوقت , فهو محكم مفصل يؤيد بعضه بعضا. وننتقل الآن إلى آية آل عمران والتي سيرى القارئ فيها أنها تعكر صفو ما قلنا به , فنقول: اتفق معي القارئ أن كتاب الله كله يحمل صفة الإحكام والتشابه , أي أن ألفاظه مختارة بعناية وحكمة الرحمن وهي تؤيد بعضها وتمنع وجود الدخيل فيها فهي متشابهة, أمّا في آية آل عمران فالرب الذي بيده الملك يقول: " منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات " , وكما رأينا واستخرجنا من الآيات الماضية أن كل آيات القرآن محكمة ومتشابهة في نفس الوقت , فتكون "الآيات المحكمات التي هن أم الكتاب " متشابهات كذلك , لأنها من كتاب الله وهو كله محكم متشابه كما وضحنا , ولكنها تميزت بأنها أم الكتاب , و" الأخر المتشابهات " محكمة كذلك , ولكن غلب عليها طابع التشابه لذا اختار الله عزوجل وصفها بالتشابه ولم يجعلها أم الكتاب التي يرجع إليها. لذا لم يعب الرب الخبير مجرد تتبع آيات كتابه المتشابهة فهي كما قلنا محكمة كذلك ولكنه لام أصحاب الزيغ في القلوب , فقال: " فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله " , فهو يلومهم لأنهم يتتبعون الآيات المتشابهات "المحكمات" ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله , فهم للزيغ الذي في قلوبهم يريدون أن يفتنوا الناس فيردوهم عن دينهم لأنهم يحاولون تأويل ما " لما يأتهم تأويله " فيسقطونه على زمانهم, وتأويل القرآن لا يعلمه إلا الله , لذا فإن الراسخين في العلم يقولون: " آمنا به كل من عند ربنا " فهم لكونهم راسخون في العلم يسلمون بأن ما لم يحيطوا بعلمه هو من عند الله لأن ما ظهر لهم إحكامه أكبر وأكثر من كاف على كون الكتاب كله من عند الله.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015