و ذكر القاضي عياض عن ابن شعبان – محمد بن القاسم بن شعبان أبو إسحاق ابن القرطبي من نسل عمار بن ياسر، رأس الفقهاء المالكيين بمصر ت355هـ – أنه قال: ومن سب غير عائشة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ففيها قولان:-

أحدهما: يقتل لأنه سب النبي صلى الله عليه وسلم، بسب حليلته.

و الآخر: أنها كسائر الصحابة يجلد حد المفتري، قال: و بالأول أقول. الشفاء للقاضي عياض (2/ 269).

و قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: و أما منسب غير عائشة من أزواجه صلى الله عليه وسلم ففيه قولان:-

أحدهما: أنه كساب غيرهن من الصحابة.

والثاني: و هو الأصح أنه من قذف واحدة من أمهات المؤمنين فهو كقذف عائشة رضي الله عنها .. و ذلك لأن هذا فيه عار و غضاضة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، و أذى له أعظم من أذاه بنكاحهن. الصارم المسلول (ص 567).

و قال الحافظ ابن كثير رحمه الله بعد قوله تعالى {إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم}: هذا وعيد من الله تعالى للذين يرمون المحصنات الغافلات، خرج مخرج الغالب المؤمنات، فأمهات المؤمنين أولى بالدخول في هذا من كل محصنة ولا سيما التي كانت سبب النزول، و هي عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما – إلى أن قال -: و في بقية أمهات المؤمنين قولان: أصحهما أنهن كهي والله أعلم. تفسير القرآن العظيم (5/ 76).

و مما يرجح القول بأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم غير عائشة في الحكم وجوه:-

الوجه الأول: أن لعنة الله في الدنيا والآخرة لا تستوجب بمجرد القذف، وأن اللام في قوله تعالى {المحصنات الغافلات المؤمنات} لتعريف المعهود، والمعهود هنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الكلام في قصة الإفك و وقوع من وقع في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أو قصر اللفظ العام على سببه للدليل الذي يوجب ذلك.

الوجه الثاني: أن الله سبحانه رتب هذا الوعيد على قذف محصنات غافلات مؤمنات، و قال في أول سورة النور: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة .. الآية} فترتب الجلد و رد الشهادة و الفسق على مجرد قذف المحصنات، فلا بد أن تكون المحصنات الغافلات المؤمنات لهن مزية على مجرد المحصنات و ذلك – والله أعلم – لأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مشهود لهن بالإيمان لأنهن أمهات المؤمنين و هن أزواج نبيه في الدنيا و الآخرة و عوام المسلمات إنما يعلم منهن في الغالب ظاهر الإيمان و لأن الله سبحانه قال في قصة عائشة {والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم} فتخصيصه بتولي كبره دون غيره دليل على اختصاصه بالعذاب العظيم، و قال تعالى {ولولا فضل الله عليكم و رحمته في الدنيا و الآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم}، فعلم أن العذاب العظيم لا يمس كل من قذف، وإنما يمس متولي كبره فقط، و قال تعالى هنا {له عذاب عظيم} فعلم أنه الذي رمى أمهات المؤمنين و يعيب بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وتولى كبر الإفك، و هذه صفة المنافق ابن أبي.

الوجه الثالث: لمّا كان رمي أمهات المؤمنين أذى للنبي صلى الله عليه وسلم لعن صاحبه في الدنيا و الآخرة، و لهذا قال ابن عباس: ليس فيها توبة، لأن مؤذي النبي صلى الله عليه وسلم لا تقبل توبته إذا تاب من القذف حتى يسلم إسلاماً جديداً، وعلى هذا فرميهن نفاق مبيح للدم إذا قصد به أذى النبي صلى الله عليه وسلم أو أذاهن بعد العلم بأنهن أزواجه في الآخرة، فإنه ما لعنت امرأة نبي قط.

و مما يدل على أن قذفهن أذىً للنبي صلى الله عليه وسلم ما خرجاه في الصحيحين في حديث الإفك عن عائشة، قالت: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو على المنبر: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً، و لقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً، و ما كان يدخل على أهلي إلا معي. البخاري (3/ 163) ومسلم (4/ 2129 - 2136).

فهذه الوجوه الثلاثة فيها تقوية و ترجيح لقول من ذهب إلى أن قذف غير عائشة رضي الله عنها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حكمه كقاذف عائشة رضي الله عنها، لما فيه من العار والغضاضة على النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن في ذلك أذى عظيماً للنبي عليه الصلاة والسلام.

والحمد لله رب العالمين.

منقول من موقع صيد الفوائد بتصرف بسيط.

ـ[أبو الوليد التويجري]ــــــــ[05 Oct 2010, 03:18 ص]ـ

أحسن الله إليكم أجمعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015