وَلاَ يُخَلِّصُهُمْ مَا زَعَمُوهُ أَنَّ لِلهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِرَادَةٌ لِلْخَيْرِ فَهِيَ الَّتِي تُمْتَثَلُ، وَهِيَ الَّتِي بَلَّغَتْهَا الأَجْرَامُ عَنْهُ بِصِيغَةِ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالوَعْدِ وَالوَعِيدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى الأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ هَذَا الَّذِي تَخَيَّلُوهُ بَاطِلٌ؛ لِمَا ثَبَتَ بِالْبُرْهَانِ القَطْعِيِّ أَنَّ إِرَادَةَ اللهِ تَعَالَى عَامَّةٌ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالطَّاعَةِ وَالمَعْصِيَةِ وَالكُفْرِ وَالإِيمَانِ، فَيَلْزَمُ إِذًا أَنْ لاَ مَعْصِيَةَ أَصْلاً؛ لِأَنَّ الخَلْقَ كُلَّهُمْ مُتَصَرِّفُونَ عَلَى وِفْقِ إِرَادَتِهِ تَعَالَى.

وَالحَامِلُ لِهَؤُلاَءِ المُبْتَدِعَةِ عَلَى هَذِهِ الأَقْوَالِ الفَاسِدَةِ: إِنْكَارُهُمْ كَلاَمًا مِنْ غَيْرِ حَرْفٍ وَلاَ صَوْتٍ، وَقَدْ نَقَضَ عَلَيْهِمْ عُلَمَاءُ أَهْلِ السُّنَّةِ بِمَا نَجِدُهُ فِي أَنْفُسِنَا مِنَ الكَلاَمِ الدَّالِّ عَلَى المَعَانِي؛ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ مُغَايِرٌ لِمَا فِي النَّفْسِ مِنَ العُلُومِ وَالإِرَادَةِ وَالظُّنُونِ وَالشُّكُوكِ وَالأَوْهَامِ، وَإِذَا ثَبَتَ فِي الشَّاهِدِ كَلاَمٌ لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلاَ صَوْتٍ بَطَلَ مَا عَوَّلُوا عَلَيْهِ مِنْ حَصْرِ الكَلاَمِ فِي الحُرُوفِ وَالأَصْوَاتِ، وَاتَّضَحَ أَنَّ الحَقََّ: مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ مِنْ ثُبُوتِ كَلاَمٍ للمَوْلَى ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الحُرُوفِ وَالأَصْوَاتِ، مُنَزَّهًا عَنِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَالجُزْءِ وَالكُلِّ وَاللَّحْنِ وَالإِعْرَابِ وَالسُّكُوتِ وَنَحْوِهَا مِنْ خَوَاصِّ كَلاَمِنَا الحَادِثِ، لِسَانِيًّا كَانَ أَوْ نَفْسِيًّا؛ لِاسْتِلْزَامِ ذَلِكَ كُلِّهِ النَّقْصَ وَالبَكَمَ وَالحُدُوثَ، وَإِنَّمَا كَلاَمُهُ ـ جَلَّ وَعَلاَ ـ صِفَةٌ وَاجِبَةُ القِدَمِ وَالبَقَاءِ، مُتَعَلِّقَةٌ بِجَمِيعِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ عِلْمُهُ، وَكُنْهُهُ مَحْجُوبٌ عَنِ العَقْلِ؛ إِذْ لاَ مِثْلَ لَهُ، لاَ عَقْلِيًّا وَلاَ وَهْمِيًّا وَلاَ خَيَالِيًّا وَلاَ مَوْجُودًا وَلاَ مُقَدَّرًا، وَذَلِكَ كَذَاتِهِ العَلِيَّةِ وَسَائِرِ صِفَاتِهِ.

وَإِذَا عَرَفْتَ مَذْهَبَ أَهْلِ الحَقِّ فِي كَلاَمِ اللهِ تَعَالَى، عَرَفْتَ أَنَّ إِطْلَاقَ السَّلَفِ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ـ عَلَى كَلاَمِ اللهِ تَعَالَى أَنَّهُ مَحْفُوظٌ فِي الصُّدُورِ، مَقْرُوءٌ بِالأَلْسِنَةِ، مَكْتُوبٌ فِي المَصَاحِفِ، هُوَ بِطَرِيقِ الحَقِيقَةِ لاَ بِطَرِيقِ المَجَازِ، وَلَيْسَ يَعْنُونَ بِذَلِكَ حُلُولَ كَلَامَ اللهِ ـ تَعَالَى ـ القَدِيمِ فِي هَذِهِ الأَجْرَامِ، تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَنَّ كَلاَمَهُ ـ جَلَّ وَعَلاَ ـ مَذْكُورٌ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِتِلَاوَةِ اللِّسَانِ وَكَلاَمِ الجَنَانِ وَكَتَابَةِ البَنَانِ، فَهُوَ مَوْجُودٌ فِيهَا فَهْمًا وَعِلْمًا، لاَ حُلُولًا؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَهُ وُجُودَاتٌ أَرْبَعٌ:

• وُجُودٌ فِي الأَعْيَانِ.

• وَوُجُودٌ فِي الأَذْهَانِ.

• وَوُجُودٌ فِي اللِّسَانِ.

• وَوُجُودٌ فِي البَنَانِ، أَيْ بِالكِتَابَةِ بِالأَصَابِعِ.

فَالوُجُودُ الأَوَّلُ: هُوَ الوُجُودُ الذَّاتِيُّ الحَقِيقِيُّ، وَسَائِرُ الوُجُودَاتِ إِنَّمَا هِيَ بِاعْتِبَارِ الدِّلَالَةِ وَالفَهْمِ. وَبِهَذَا تَعْرِفُ أَنَّ التِّلاَوَةَ غَيْرُ المَتْلُوِّ، وَالقِرَاءَةَ غَيْرُ المَقْرُوءِ، وَالكِتَابَةَ غَيْرُ المَكْتُوبِ؛ لِأَنَّ الأَوَّلَ مِنْ كُلِّ قِسْمٍ مِنْ هَذِهِ الأَقْسَامِ حَادِثٌ، وَالثَّانِي مِنْهُمَا قَدِيمٌ لاَ نِهَايَةَ لَهُ، وَبِاللهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. انتهى

وقال أيضا بعض علماء أهل السنة والجماعة الأشعرية:

اعلموا وفقني الله وإياكم أن كلام الله والقرآن اسمان تسمى بهما ستة أشياء:

• فيطلق كل واحد منهما على الصفة الأزلية القائمة بالذات العلية، كقولنا: القرآن صفة الله، والكلام صفة من صفات الله.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015