أراه الخضر إقامة الجدار من غير أجر، فعاتبه على ذلك، ولم يتذكر سقايته من غير أجر لبنتى شعيب عليه السلام.

فهذه الأحداث الموسوية الخضرية تؤكد أن موسى المذكور فى سائر المواضع القرآنية التى تناولته إنما هو موسى بن عمران ليس غير.

وقد أشار الشيخ محيى الدين بن العربى إلى هذا المعنى الدقيق فى إحدى موشحاته، فقال:

أخرق سفين الحسن يا نائم

واقتل غلاماً إنك الحاكم

ولا تكن للحائط الهادم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ

عجائب المصحف الشريف لا تنقضى

تحدث الرسول صلى الله عليه وسلم كثيراً عن مزايا القرآن الكريم وخصائصه، ويلفت أنظارنا فى أوصافه له نعته بأنه (كتاب لا تنقضى عجائبه)، وهو نعت يفيد كثرة ما فى القرآن الكريم من عجائب لا تنتهى ولا تنفد (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) لقمان:

ولقد شاء الحق سبحانه للكتاب أن يكون ذا عطاء متجدد فى كل عصر، ولكل جيل لتبقى للقرآن حيويته وقوة تأثيره. والقرآن الكريم هو الكمال المطلق الذى أنزله الحق على رسوله ليكون مصدر تشريع لأمته.

ومما لا شك فيه أن القرآن الكريم معجزة كلامية، لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثلها لا يستطيعون ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً. ومما لا شك فيه أيضاً أن القارئ للقرآن بصدق يمتلئ قلبه بالإيمان ويفقه عقله ما فيه من تشريع، وتبصر عينه الطريق الذى لا عوج فيه. والقرآن فوق هذا كتاب خالد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، ولذلك امتلأت سوره وآياته البينات بالأعاجيب التى لا تنقضى ولا تنتهى، وتشهد حقاً بأنه كنز للأسرار. وسيظل هكذا إلى يوم البعث.

* خذ لذلك مثلا من قوله تعالى فى سورة (ص): "كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ* وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أُوْلَئِكَ الْأَحْزَابُ* إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ" الآيات 12، 13، 14.

والآيات - كما ترى- أمثله ممن سبقوا قريشاً فى التاريخ. قوم نوح، وعاد، وفرعون صاحب الأهرام التى تقوم فى الأرض كالاوتاد، وثمود، وقوم لوط، وقوم شعيب أصحاب الأيكة (الغابه الملتفه). أولئك الأحزاب الذين كذبوا الرسل، فماذا كان من شأنهم وهم طغاة بغاة متجبرون؟ " فَحَقَّ عِقَابِ" وكان ما كان من أمرهم وذهبوا فلم يبق منهم غير أثار تنطق بالهزيمة والإندحار. ذلك كان من شأن الأحزاب الغابرة فى التاريخ.

ومما يسترعى الإنتباه أن هذا المشهد القرآنى القائم على عرض صفحات من كتاب التاريخ البشرى لمصارع الغابرين الذين كذبوا الرسل قد جاء فى سورة (ق) على هذا النحو: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ* وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ* وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) الآيات 12، 13، 14.

يتفق المشهدان فى الإشارة إلى: قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم لوط، وأصحاب الأيكة وفرعون.

وينفرد المشهد الذى جاء فى سورة (ق) بإضافة (وَأَصْحَابُ الرَّسِّ، وَقَوْمُ تُبَّعٍ) إلى هؤلاء الأقوام الذين كذبوا الرسل، فعوقبوا على هذا التكذيب.

والذى يلفت النظر: أن الإشارة السريعة لمصارع هؤلاء الغابرين حين كذبوا الرسل فى هذا المشهد وذلك قد جاءت فى ثلاث آيات، والآيات الثلاث هنا وهنا تحمل أرقامًا موحده هى 12، 13، 14، وهذه أعجوبة من عجائب القرآن الكريم.

* خذ مثلاً آخر من قوله تعالى فى سورة القصص: (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ) الآية 20.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015