فالربا إذاً ينمي الضغائن والأحقاد بين الناس لعدم اقتناع المقترض بما أُخذ منه مهما كانت حاجته، ورغبته فيه ([21]) فينشأ الحقد والغضب في قلبه ضد صاحب المال، حيث يشاهده يأخذ منه ما كسبه بعرق جبينه ظلما وباطلاً بدل أن يواسيه أو يقرضه قرضاً حسناً في ظروفه الحرجة… وهذا ليس كلاماً نظرياً فحسب، بل يشهد على ذلك التاريخ ويصدقه الواقع ([22]).

وكثيراً ما يتعدى الأمر ذلك – الحقد والبغض- عندما يقوم المقترض بثورات تعصف بالمرابين وأموالهم وديارهم، وتجرف في طريقها الأخضر واليابس ([23]).

2. اختلال توزيع الثورة المؤدي إلى خلل يصيب المجتمع:-

إذا أصبح المال دولة بين الأغنياء، شقي أغنياء ذلك المجتمع وفقراؤه، والربا يركز المال في أيدي فئة قليلة من أفراد المجتمع الواحد، ويحرم منه الجموع الكثيرة، وهذا خلل في توزيع المال، وهو الذي يجعل اليهود يصرون على التعامل بالربا، ونشرِه بين العباد، كما يحرصون على تعليم أبنائهم هذه المهنة، كي يسيطروا على المال ويحوزوه إلى خزائنهم.

وهذا الخلل الذي يُحدثه الربا في المجتمعات الإنسانية - وهو خلل توزيع الثروة - داءٌ يعجز علاجه الأطباء، وقد اعترف رجال الاقتصاد في العالم الغربي بعجزهم عن علاج هذا الخلل الذي أصاب العالم الغربي، يقول أحدهم:- (إنني وقد قاربت سنَّ التقاعد، أريد أن أوصي الجيل الأصغر مني سنّاً في هذه القضية: لقد أصبحنا الآن بعد هذه الجهود الطويلة في بلبلة مستمرة، فكلنا يشقى بسبب توزيع الثروة، وتوزيع الدخل، سواء منها ما كان جزئياً، مثل قضية الفائدة والربا، أم ما كان مثل تفاوت الطبقات، تعبنا في هذا ولم نصل إلى شيء).

وهذا تصريح منه بالنتيجة الحتمية التي يصير إليها كل معرض عن هدي السماء: (لقد أصبحنا في بلبلة مستمرة) … (كلنا يشقى بسبب توزيع الثروة) …وتعبنا ولم نصل إلى شيء) ….

إنه الشقاء، شقاء الحياة الدنيا، وشقاء الآخرة أشد وأبقى " ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى، قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً، قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى، وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى" [طه: 124 – 126] ([24]).

ومن ظواهر هذا الأثر تضخم المال بطريق غير مشروعة، لأنه تضخم على حساب سلب مال الفقير وضمه إلى كنوز الغني، وحسبك بهذا داءاً فتاكاً في المجتمعات وسبباً في الخصومات والعداوات… ([25])

3. تدمير الربا للمجتمعات:-

إن الربا بما يحدثه في النفوس من أمراض، وبما يوجده في الاقتصاد من بلايا، وبما يصنعه من خلل يصيب المجتمعات الإنسانية بالدمار…

وقد لعب الربا دوراً هاماً في انهيار المجتمعات، وظهور الاقتصاديات القائمة على الرق نظراً لأن القرض قبل زمن كان مضموناً بشخص المقترض نفسه إلى جانب ضمانات أخرى كانت النتيجة نزع ملكية صغار المزارعين، وتحويل عدد منهم إلى رقيق، مما أدى في النهاية إلى تركيز الملكية العقارية في أيد قلائل، هذا ما فعله الربا في الماضي، وقد استطاع الكُتَّاب الذين لم يتعمقوا في باطن الأمور أن يدركوا آثاره في تلك المجتمعات، ولكن كثيراً من هؤلاء يظنون أن الفائدة الربوية اليوم لا تحدث في المجتمعات الإنسانية ما أحدثته في تلك المجتمعات، لقد حول المرابون في القديم البشرَ إلى عبيد يعملون في المزارع التي سرقوها من أولئك العبيد، ولا يزال المرابون إلى اليوم يسعون إلى السيطرة على ثمار جهود البشر وسرقة عَرَقِهم وأموالهم.

وقد يقال إن الحال اليوم قد تغير، والفائدة أصبحت محدودة، وهي لا ترهق الأفراد ولا المؤسسات ولا الحكومات، وهذا قصور في النظر وخطل من القول، فإن فوائد البنوك الربوية وبيوتات المال في أوائل القرن لم تكن تتعدى الثلاثة أو الأربعة أو الخمسة أو الستة أو السبعة في المائة على أكثر تقدير، أما اليوم فإن الفائدة التي كانت تعلنها البنوك الربوية قد بلغت (18) أو (20) في المائة، وقد بلغ الربا في بعض المعاملات في إحدى الدول في أزمة من الأزمات (800) في المائة وكان حجم الأموال التي سببت الأزمة بلغ (27) ملياراً منها (9) مليارات تراكمت بسبب الربا والذين لا يأكلون الربا كانوا أبعد الناس عن التأثر بتلك الأزمة.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015