موقف ابن عاشور من التفسير الباطني

ـ[المؤمن]ــــــــ[23 Sep 2008, 05:10 م]ـ

موقف ابن عاشور من التفسير الباطني

حاولت في هذا العرض الصغير أن أتبين موقف العلامة ابن عاشور من التفسير الباطني، وكيف استطاع أن يفرق بينه وبين التفسير الإشاري، ومدى موافقته لبعض الأعلام من أهل السنة كالشاطبي وابن القيم، حينما وضعوا الشروط العاصمة من شطحات مثل هذا النوع من التفسير، الصوفي أو الإشاري أو الذوقي.

قد عرفت الأمة الإسلامية منذ العصر الأول، بعد خلافة علي ? ـ على وجه الخصوص ـ فرقا عقائدية، كالقدرية (1)، والمرجئة (2)،وسياسية، كالشيعة (3)،والخوارج (4)، وأخذت هذه الفرق في تزايد مستمر إلى أن صارت تعد بالعشرات،منها الباطنية، التي عدّ لها أبو حمد الغزالي عشرة ألقاب (5)، كالقرامطة (6)، والإسماعيلية (7)، والتعليمية. (8)

ويمكن أن يدرج أيضا ضمن تلك الفرق ما ظهرمنها في العصور المتأخرة (9) كالبهائية أوالبابية (10)، والقاديانية (11).

ثم ذكر أبو حامد سبب كل لقب، والباطنية " إنما لقبوا بها لدعواهم أن لظواهر القرآن والأخبار بواطن تجري في الظواهر مجرى اللب من القشر، أنها بصورها توهم عند الجهال والأغبياء صورا جلية، وهي عند العقلاء والأذكياء رموز وإشارات إلى حقائق معينة؛ وأن من تقاعد عقله عن الغوص على الخفايا والأسرار، والبواطن والأغوار، وقنع بظواهرها مسارعا إلى الاغترار، كان تحت الأواصر والأغلال معنّى بالأوزار والأثقال، وأرادوا بالأغلال التكاليف الشرعية ...... وغرضهم الأقصى إبطال الشرائع، فإنهم إذا انتزعوا عن العقائد موجب الظواهر قدروا على الحكم بدعوى الباطن على حسب ما يوجب الانسلاخ عن قواعد الدين، إذ سقطت الثقة بموجب الألفاظ الصريحة فلا يبقى للشرع عصام يرجع إليه ويعول عليه." (12)

وما يصدق على هذه يصدق على لٍداتها،من الإسماعيلية، والتعليمية، ومن حذا حذوها، لتركهم الأخذ بالظواهر الذي يؤدي حتما إلى ترك الشرائع والتحلل من تكاليفها.

لم ير ابن عاشور بدّا من التنبيه إلى هذه الطائفة، التي خرجت بتفسيرها للقرآن عن مقتضى الشرع " بما يوافق هواها،وصرفوا ألفاظ القرآن عن ظواهرها بما سموه الباطن، وزعموا أن القرآن إنما نزل متضمنا لكنايات ورموز عن أغراض، وأصل هؤلاء طائفة من غلاة الشيعة عرفوا عند أهل العلم بالباطنية فلقبوهم بالوصف الذي عرفوهم به، وهم يعرفون عند المؤرخين بالإسماعيلية لأنهم ينسبون مذهبهم إلى جعفر بن إسماعيل الصادق، ويعتقدون عصمته وإمامته بعد أبيه بالوصاية، ويرون أن لا بد للمسلمين من إمام هدى من آل البيت هو الذي يقيم الدين، ويبين مراد الله. ولما توقعوا أن يحاجَّهم العلماء بأدلة القرآن والسنة رأوا أن لا محيص لهم من تأويل تلك الحجج التي تقوم في وجه بدعتهم، و إن أهم خصوها بالتأويل وصرف اللفظ إلى الباطن اتهمهم الناس بالتعصب والتحكم فرأوا صرف جميع القرآن عن ظاهره وبنوه على أن القرآن رموز لمعان خفية في صورة ألفاظ تفيد معاني ظاهرة ليشتغل بها عامة المسلمين، وزعموا أن ذلك شأن الحكماء ..... وتكلفوا لتفسير القرآن بما يساعد الأصول التي أسسوها. ولهم في التفسير تكلفات ثقيلة." (13) وضرب لذلك أمثلة شتى منها قولهم إن قوله تعالى: (وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ) (14) أن جبلا يقال له الأعراف هو مقر أهل المعارف الذين يعرفون كلا بسيماهم .... وهكذا دواليك ثم يرد الآثار التي تقول بأن للقرآن ظهرا وبطنا. ويعد تفسير القاشاني ضمن تفاسير الباطنية، وأن أقوالهم مبثوثة في رسائل إخوان الصفا. (15)

فموقفه حيال هذه الطائفة وتفسيرها، موقف المنكر كأبي حامد الغزالي الذي يقول:" ولا مطمع في الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر، ومن ادعى فهم أسرار القرآن ولم يحكم التفسير الظاهر فهو كمن يدعي البلوغ إلى صدر البيت قبل مجاوزة الباب. " (16) وهو موقف أبي بكر ابن العربي الذي شنع على الباطنية، بمثل ما شنع على الظاهرية واعتبرهما من جملة من كاد للإسلام إلى أن قال عنهما:" وهذه الطائفة الآخذة بالظاهر في العقائد، هي طرف في التشبيه، كالأولى في التعطيل " (17)، ويقصد بالأولى هاهنا الباطنية. وقد أشار ابن

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015