ثم انظر إلى التوجيه الذي بعده في قوله -تبارك وتعالى-: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء:102] انظر هذا القرآن كيف يربي المؤمنين على أمرين كبيرين هما سببا الانتصار في أرض المعركة:

1 - الصلة بالله -عز وجل-.

2 - وصلاة الجماعة حتى في حال المسايفة في حال مواجهة العدو، وإعداد القوة الممكنة لقهر هذا العدو ودحره {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء:102] فلا يقول قائل: نحن جند الله، نحن أوليائه، لا نحتاج -ونحن في هذا المقام الذي نناجيه فيه- لحمل السلاح، لا، تصلُّون بهذه الهيئة ومعكم أعظم شخصية وجدت في التاريخ وهي شخصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومعكم أحب الخلق إلى الله -تبارك وتعالى- ومع ذلك أنتم بحاجة إلى هذه الصلاة، وبهذه الكيفية من أجل أن لا يغير عليكم هذا العدو، أين نحن من هذا التوجيه؟ كيف ينتصر المسلم الذي يدعي الإسلام وهو يقابل عدوه وفي يده قارورة من الخمر؟ وفيه يده الأخرى قطعة سلاح؟ أين هؤلاء من الانتصار؟ لا يمكن أن ينتصر إلا من أخذ بهذه التوجيهات الربانية.

ثم انظر ماذا قال الله بعدها: {وَلا تَهِنُوا} [النساء:104] لا تضعفوا {فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ} [(104) سورة النساء] في طلبهم وتتبعهم، وقتلهم وإزهاق أرواحهم {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} [النساء:104] إن كنتم تقاسون الحر فهم يقاسون الحر، وإن كنتم تقاسون البرد فهم يقاسون البرد، وإن كنتم تقاسون الجوع فهم يقاسون الجوع، وإن كنتم تقاسون طول الشقة فهم يقاسون طول الشقة، وإن كنتم تقاسون آلام الجراح والأسر فهم يقاسون آلام الجراح والأسر، ومع ذلك يميزكم عنهم شيء واحد {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104] لسنا سواء قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، فإذا كان الأمر بهذه المثابة فلماذا يتردد المؤمن؟ ولماذا يتوقف؟ ولماذا يحزن إذا وقع في أسر العدو؟ أو وقع عليه قهرٌ من هذا العدو الكافر؟ فلماذا يحزن؟ ولماذا ينكسر؟ والله -عز وجل- يقول في تعزية لطيفة شفافة رقيقة يحتاج الإنسان أن يقف عندها طويلاً يقول الله -عز وجل- في سورة آل عمران: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} [آل عمران:139، 140] ليعلم الذين آمنوا ثبتوا على مواقفهم وعلى إيمانهم الصحيح {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} هؤلاء القتلى {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:141]، {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214].

أين نحن من هذه التوجيهات؟ والله لو أخذنا بها لما استطاعت أكبر قوة على وجه الأرض أن تقف في وجوه المسلمين، لو أخذ بها ثلة قليلة من هذه الأمة، وتمسكوا بها حقاً لدوخوا العالم من شرقه إلى غربه، ولما استطاع أحدٌ أن يقف في وجوههم، ولكنها للأسف أمة مبعثرة لعب بها شياطين الإنس وشياطين الجن، وأضلوها عن كتابها فمزقت وصارت مثلاً يضرب به في الضعف والاستخذاء والمذلة، صارت هذه الأمة هي التي تقع عليها المذابح في كل مكان، وصارت هذه الأمة هي أحط الأمم، وإذا تأملت من المحيط إلى المحيط رأيت أن ما وراء ذلك غرباً وما وراءه شرقاً هي الدول الصناعية، هي الدول التي يسمونها الدول الكبرى الغنية، وهي الدول التي تتحكم في مصير الشعوب، ومصائر العالم، وإذا نظرت إلى ما بين ذلك لا تجد مثالاً واحداً تستطيع أن تقول: إنه قد فارق هذه المجموعة فصار يضاهي تلك الدول في التقدم والصناعة والابتكار، والأخذ بأسباب القوة، ومناطحة القوى العظمى، فيُحسب له ألف حساب حينما يريدون أن يبرموا أمراً، أو يقرروا قراراً، من المحيط إلى المحيط، البلاد الإسلامية هي البلاد التي يقال لها: بلاد العالم الثالث، وما وراء ذلك غرباً وشرقاً كله خارجٌ عن هذا الحكم، فلماذا وقد كان المسلمون يقودون العالم بأجمعه؟ لأننا أعرضنا عن هذا القرآن، وفي النفس أشياء وأشياء مما قرأه الإمام، ولكني أترك ذلك مخافة الإطالة عليكم، وأسأل الله -عز وجل- أن يرعانا وإياكم، وأن ينفعنا بالقرآن العظيم، وأن يجعلنا وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

اصل هذه المادة كلمة القاها الشيخ خالد السبت حفظه الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015