{رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين} وقول الخليل عليه السلام {ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} وقوله: {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} وقول موسى: {أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين} {واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك} وقوله: {رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي} وقوله: {فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين} وقوله تعالى عن داود: {فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب} {فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب} وقوله تعالى عن سليمان: {اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب} وأما يوسف الصديق فلم يذكر الله عنه ذنبا فلهذا لم يذكر الله عنه ما يناسب الذنب من الاستغفار بل قال {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين} فأخبر أنه صرف عنه السوء والفحشاء وهذا يدل على أنه لم يصدر منه سوء ولا فحشاء.
وأما قوله: {ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه} [ص: 297] فالهم اسم جنس تحته " نوعان " كما قال الإمام أحمد الهم همان: هم خطرات وهم إصرار وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم {أن العبد إذا هم بسيئة لم تكتب عليه وإذا تركها لله كتبت له حسنة وإن عملها كتبت له سيئة واحدة} وإن تركها من غير أن يتركها لله لم تكتب له حسنة ولا تكتب عليه سيئة ويوسف صلى الله عليه وسلم هم هما تركه لله ولذلك صرف الله عنه السوء والفحشاء لإخلاصه وذلك إنما يكون إذا قام المقتضي للذنب وهو الهم وعارضه الإخلاص الموجب لانصراف القلب عن الذنب لله. فيوسف عليه السلام لم يصدر منه إلا حسنة يثاب عليها؟ وقال تعالى: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} وأما ما ينقل: من أنه حل سراويله وجلس مجلس الرجل من المرأة وأنه رأى صورة يعقوب عاضا على يده وأمثال ذلك فكله مما لم يخبر الله به ولا رسوله وما لم يكن كذلك فإنما هو مأخوذ عن اليهود الذين هم من أعظم الناس كذبا على الأنبياء وقدحا فيهم وكل من نقله من المسلمين فعنهم نقله ; لم ينقل من ذلك أحد عن نبينا صلى الله عليه وسلم حرفا واحدا. [ص: 298]
وقوله: {وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي} فمن كلام امرأة العزيز كما يدل القرآن على ذلك دلالة بينة لا يرتاب فيها من تدبر القرآن حيث قال تعالى: {وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم} {قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين} {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين} {وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم} فهذا كله كلام امرأة العزيز ويوسف إذ ذاك في السجن لم يحضر بعد إلى الملك ولا سمع كلامه ولا رآه ; ولكن لما ظهرت براءته في غيبته - كما قالت امرأة العزيز: {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب} أي لم أخنه في حال مغيبه عني وإن كنت في حال شهوده راودته - فحينئذ: {وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين} وقد قال كثير من المفسرين إن هذا من كلام يوسف ومنهم من لم يذكر إلا هذا القول وهو قول في غاية الفساد ولا دليل عليه ; بل الأدلة تدل على نقضه وقد [ص: 299] بسط الكلام على هذه الأمور في غير هذا الموضع. والله اعلم بالصواب.