هي أصول الدين من الناحية العملية.

الدكتور مساعد الطيار: بدأت الآية بقوله: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} فبدأت بالنفي ثم جاء الإثبات فقال: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ .. } فهي إجابة على قضية تحويل القبلة , فالقرآن عندما يضع الكلمة أو الحرف في مكان فهو يضعه في مكانه المناسب له لذلك يحتاج إلى تأمل , فكيف بدأ بالنفي في قوله: {ليس البر} , ثم جاء الإثبات في قوله: {ولكن البر}

الآية نزلت في أثناء الحديث حول تحويل القبلة فتحويل القبلة كان كالضربة القاضية لليهود فقد أحدث تحويل القبلة لغط في المجتمع.

الدكتور محمد الخضيري: وفيها اتهام للرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه انحرف عن ملة إبراهيم - عليه السلام - وأنحرف عن ملة موسى وعيسى - عليهما السلام - وخالفهما وجاء بديانة جديدة , فيقال لهم انتبهوا فالبر هو الإيمان بالله و هو في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.

الدكتور مساعد الطيار: هناك قاعدة عامة كثيرا ما تتكرر وهي قاعدة التخلية قبل التحلية وكلمة التوحيد شاهد على ذلك فـ (لا إله إلا الله) تخلية (نفي) و (إلا الله) تحلية (إثبات) , وفي الآية أيضا {ليس البر} تخلية , {ولكن البر} تحلية ولهذا نفى ثم أثبت.

الدكتور محمد الخضيري: في الآية أيضا ذكر أركان الإيمان ولكنه لم يذكرها الستة بل ذكر خمسة فقال: {آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} ولم يذكر القدر فلماذا لم يذكر القدر وتكرر ذلك في آية النساء أيضا فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)} ففي هاتين الآيتين لم يذكر الإيمان بالقدر , والسر في ذلك أنه جزء من الإيمان بالله , فالإيمان بالقدر هو الإيمان بقدرة الله , (فالقدر هو وصف الله) - لم أفهم معنى الجملة - , إذن فمن آمن بالله لزمه الإيمان بالقدر , وإنما أفرد لأن هناك من الطوائف و هناك من الأمم من ضلوا في هذا الباب وأنكروه وأنكروا بعض لوازمه أو بعض مستحقاته فأفرد بالذكر.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: خطر على بالي الآن فائدة أعرضها عليكم في قوله: {ليْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)} تجدون دائما في كتب التفسير الحديث عن لماذا قال والموفون بعهدهم في حين قال قبلها أقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يقل و أَوفوا بعهدهم فأتى بها بصيغة الجملة الاسمية , تذكرون عندما تحدثنا عن قضية العهد والميثاق في سورة الفاتحة ثم تحدثنا عن كثرة ذكر الوفاء بالعهد في سورة البقرة , أقول: أن أقام الصلاة جاء التعبير عنها بالفعل لأنها تؤدى ثم تنتهي فهي تتجدد شيء بعد شيء , وكذلك الزكاة , أما الوفاء بالعهد فلابد أن يكون صفة لازمة في المؤمن , فلا تجد مؤمن يفي أحيانا ويخون أحيانا.

الدكتور محمد الخضيري: وإذا خان مرة أختلت عنده هذه الصفة.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: ولذلك جاء التعبير بالجملة الاسمية في قوله: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} فيجب على المؤمن أن يكون الوفاء بالعهد صفته , العهد مع الله ومع الآخرين ومع نفسه قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ .. (1)} المائدة , فتدخل فيها كل العقود.

الدكتور مساعد الطيار: هذا يجد , ولكن قد ورد يوفون وتفيد التجدد فكلما حدث عهد جديد وقع الوفاء به , وهنا أن يكون الوفاء وصف لازم , بقي في الحلقة وقت قليل وأرى معك كتاب لو عرفتنا به؟

الدكتور عبد الرحمن الشهري: هذا كتاب انصح الأخوان بالإطلاع عليه وهو كتاب [وجه النهار الكاشف عن معاني كلام الواحد القهار] وهو كتاب للدكتور عبد العزيز بن علي الحربي , وكتبه قيمة , وهو كتاب عن غريب القرآن وفيه فوائد ولطائف , وهو انتقى من كتب التفسير أجود ما فيها , ثم أنه مجلد واحد , يتوقف مع الألفاظ الغريبة ويذكر بعض الاستنباطات الجميلة فأنصح الأخوة بالإطلاع عليه والاستفادة منه , فقد أودع فيه المؤلف خلاصة قراءات واسعة في كتب التفسير واللغة والقراءات.

الدكتور مساعد الطيار: وأيضا أقترح على المؤلف لو يجعله حاشية على المصحف , فهو كتاب مفيد وفيه لطائف ونفائس.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: بعض الكتب قد يكون حجمها صغير ولك تجد أن المؤلف قد أودع فيها خلاصات , لا يظهر لك تميز هذا الكتاب إلا لأنك تعرف , فتكون قد قرأت كتب أخرى فتقع على هذا الكتاب .. وكما قال ابن عاشور في مقدمته وهذا كتاب فيه ما في التفاسير وفيه ما ليس في التفاسير من التحريرات والفوائد , ودائما أقول أن المؤلف الجيد هو الذي يضيف للقارئ شيء جديد من عنده وهذه وظيفة المؤلف , فليست وظيفتنا فقط أن ننقل المعرفة بل ننقلها ونضيف عليها ما استفدنا.

الدكتور مساعد الطيار: لعلنا نقف عند هذا.

سبحانك اللَّهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك.

انتهى اللقاء

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015