الدكتور عبد الرحمن الشهري: هناك فائدة لطيفة لعلنا نناقشها , ففي قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} قلنا أنها عهد وميثاق , ثم ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم - أنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب , فتأمل كيف أنك في كل ركعة تجدد هذا العهد والميثاق , لفت نظري الفعل المضارع في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} فالنحويون يقولون أن الفعل المضارع يدل على الثبوت والتجدد , فكلما نطقت بفعل مضارع دل على تجدد الفعل , فليس فعل مستمر بل هو فعل يحتاج لتجديد من وقت لآخر.

لاحظ كيف أنك في كل ركعة تجدد هذا العهد والميثاق الذي تردد بالفعل المضارع " نعبد " و" نستعين" , للدلالة على أنك في كل ركعة تصليها وكل مرة تقرأ فيها الفاتحة تجدد هذا العهد والميثاق بينك وبين الله -سبحانه وتعالى- و أنك لا تعبد إلا هو ولا تستعين إلا به فهو غاية في التوحيد- توحيد الألوهية وتوحيد العبودية -.

الدكتور مساعد الطيار: وهذا مدلول الفعل المضارع - من باب الفائدة كما ذكرتم - قضية الحدوث والتجدد, لو تأمله المتدبر وهو يقرأ - في شهر رمضان - ويتأمل في صياغة الفعل, ففي أول البقرة قال: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} ثم قال: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)} ولم يقل وينفقون مما رزقناهم فمثل هذه تجعل المتدبر يتساءل لماذا اختلفت صياغة الجملة , فجاء بفعل ثم عطف عليه فعل ثم يأتي بجملة اسمية , فلو يجعل المتدبر لنفسه حظا من النظر في الأفعال وكيف صيغت.

الدكتور محمد الخضيري: قال سبحانه وتعالى في سورة الأنعام: {فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)} , وهذا سؤال طرحه المفسرين , لماذا خالف في الجملتين فمرة أتى بالجملة الفعلية ومرة جاء بالجملة الاسمية , وقد أجاب السيوطي إجابة , ولا أدري هل نقلها عن غيره كعادته - رحمه لله - و أنا أنقلها عنه وهي في غاية الروعة , قال: في يخرج الميت من الحي , لما كان إخراج الحي من الميت أدل على القدرة أتي بالجملة الفعلية ليدلل على أن هذا يحدث دائما وأبدا يتجدد , أما مخرج الميت من الحي , فهذا ثابت لله- عز وجل -فليس أدل على القدرة من الأول ولذلك جاء بالجملة الاسمية لإثبات أنه وصف يستحقه الرب - سبحانه وتعالى -.

الدكتور مساعد الطيار: هذا وصف ثابت فليس فيه إشكال.

الدكتور محمد الخضيري: نعم ثابت فليس فيه إشكال, أما الأول فأتي بالصيغة الفعلية ,ليقول للعباد أن ذلك لم يحدث مرة واحد في الكون وإنما يتجدد ويحدث مرة بعد أخرى.

- القصور في تعلم اللغة العربية ومدلولاتها.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: هذا من اللفتات الجميلة في تدبر القرآن وتدبر لغتنا الجميلة , لدينا قصور كبير فيه لضعفنا في اللغة العربية , وتلاحظ أن مناهجنا العلمية لا تساعد على العمق الفهمي في هذا الجانب , ندرس النحو على أنه قواعد جافة , ننجح في إقامة الكلام واستقامته , لكننا لا نصل إلى درجة تذوق الأساليب, بحيث تفرق بين من يخاطبك بفعل مضارع , ومن يخاطبك بفعل أمر , أو من يقدم المفعول به على الفاعل, فما نشعر بهذا الفرق الدقيق بينها, مع أن علم البلاغة خاصة عندما تكلم فيه عبد القاهر الجرجاني في كتابة دلائل الإعجاز , نصح - جزاه الله خيرا - بالعناية بالنحو وفهم المقاصد الذي يقصدها العرب من الكلام من خلال ترتيب الكلام , ففي قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} فيها حكم بلاغية كثيرة , منها أن التعبير بالمضارع يدل على التجدد وهناك فكرة أدق منها وهي قضية تقديم المفعول به على الفاعل.

الدكتور محمد الخضيري: أي تقديم ما حقه التأخير.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: نعم , فقدم إياك على نعبد.

الدكتور مساعد الطيار: ولم يقل نعبدك.

الدكتور محمد الخضيري: مع أنها اقصر.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015