فرقة , وقال مرة أخرى: فسلخه , فكان بعد ذلك يصفه كما رأيت
وأما الأسد في كلام العرب لا يريدون به الحيوان المعروف =فهو بين ظاهر في كلامهم ولم يُستدل على أنهم لم يريدوا الحيوان المعروف =إلا بالقرائن، كما أنه لم يُستدل على أنهم ارادوا الحيوان المعروف إلا بالقرائن ...
ومن الأمثلة الظاهرة المشهورة لهذا:
1 - وقال أبو بكر الصديق , لاها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه
2 - وروى الإمام أحمد وغيره من حديث الحسن البصري عن سمرة بن جندب , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يوشك أن يملأ الله أيديكم من العجم , ثم يكونون أسداً لا يفرون فيقتلون مقاتلكم , ويأكلون فيئكم)) وروى عن الحسن مرسلاً , وهو حديث ضعيف لا يحتج به في الدين , ولا يوثق بإسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه قد يقبل شاهداً في العربية , فهو يوثق بإسناده إلى الحسن البصري , والحسن كان بعض أئمة العربية يكتب كلامه ويستشهد به , فذلك الحديث ليس حجة في الدين , ولكنه قد يقبل شاهداً في العربية , والأسد في هذين الحديثين هو: الرجل الجريء الذي لا يفر.
3 - قال حسان: قد آن أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه .. ففي ذلك الحديث شبه حسان بن ثابت رضي الله عنه نفسه بالأسد الذي هو السبع , فقال: إلى هذا الأسد الضارب بذنبه , ولولا قوله: الضارب بذنبه , لم يتبين أنه أراد السبع , ولو قال: إلى هذا الأسد , وسكت , لكان يمدح نفسه بأنه أسد من الرجال , ولم يك في كلامه تشبيهاً.
وَلَقدْ خَشِيتُ بِأَنْ أمُوتَ، ولم تَكُنْ ... للحَرْبِ دائرةٌ على ابنَيْ ضَمضَيم
الشّاتِمَيْ عِرْضِي، ولم أشتِمْهُمَا، ... والنّاذِرَيْنِ إذا لم أَلْقَهُما دَمي
أُسْدٌ عَلَيَّ وفي العَدُوّ أَذِلّةٌ ... هذا لَعَمرُكَ فِعْلُ مولى الأَشْأَمِ
وقول الشاعر:
وتقولُ جعثنِ إذ رأتكَ مقنعاً ... قبّحتَ منْ أسدٍ أبي أشبالِ
وقول الشاعر:
إنّي أنا البحرُ غَمراً لستَ جاسرَهُ ... وسَبِّيَ النارَ دونَ البحر تستعِرُ
ما زلتَ تنتجعُ الأصواتَ مُعترضاً ... تروحُ في اللُّومِ مُشتقّاً وتبتكِرُ
حتى استثَرتَ أبا شِبلَينِ ذا لِبَدٍ ... وزُبْرَةٍ لم تُواطي خَلْقَها الزُّبَرُ
وأنا أعدل عن الأمثلة المشهورة التي قد يُمثل بها لهذه القضية إلى مثال دقيق من كلام العرب وهو من أروع الشعر وأدقه وأحلاه وهو قول زهير بن أبي سلمى:
لَعَمْري لَنِعْمَ الحيُّ جَرَّ عَلَيْهِمُ ... بما لا يُؤاتِيهِمْ حُصَيْنُ بْنُ ضَمْضَمِ
وكانَ طَوَى كَشحاً على مُسْتَكِنَّةٍ ... فَلاَ أَبْدَاهَا وَلَمْ يَتَجَمْجَمِ
وَقَالَ: سَأَقضِي حَاجَتي ثُمَّ أَتَقَّي ... عَدُوِّي بِأَلْفٍ مِنْ وَرائيَ مُلْجَمِ
فَشَدَّ وَلَمْ يَنْظُرْ بُيُوتاً كَثِيرَةًلَدَى ... حَيْثُ أَلْقَتْ رَحْلَهَا أُمُّ قَشْعَمِ
لَدَى أَسَدٍ شاكي السِّلاحِ مُقَذَّفٍ ... لَهُ لِبَدٌ أَظْفَارُهُ لَمْ تُقَلَّمِ
جَرِيءٍ مَتَى يُظْلَمْ يُعَاقِبْ بِظُلْمِهِ ... سَريعاً وإلاّ يُبْدَ بالظُّلْمِ يَظْلِمِ
وقوله: شاكي السلاح , أي سلاحه شائكة , حديدة ذو شوكة , ومقاذف: مرامي , ويروى: مقذف , وهو الغليظ الكثير اللحم , واللبد: جمع لبدة: وهي زبرة الأسد , وهي شعر متراكب بين كتفي السد إذا أسن: والأظفار: السلاح , يقول: سلاحه تام حديد , وقال الأعلم والخطيب التبريزي: أراد بقوله: لدى أسدٍ , الجيش , وقال الزوزني: البيت كله صفة حصين بن ضمضم , ووافقه البغدادي في موضع من ((خزانة الأدب)) , فقال: وهو الصواب ثم خالفه في موضع آخر ,
فقال: والمراد بالأسد الحارث بن عوف المري , وسواء قاله في حصين أم الحارث أم الجيش كله ,
فالأسد فيه رجل أو رجال.
فالأسد هنا ورغم ذكر اللبد ليس المراد به الحيوان المعروف،وإنما المراد به الجيش الذي سيحاربهم يقوده حصين،أو هو حصين نفسه، وجعل الأسد لفظاً والمثل المراد منه الجيش له نظائر في كلام العرب ذكرها الشراح تحت هذا البيت ....
وقال زهير بن أبي سلمى في قصيدة يمدح بها سنان بن أبي حارثه المري:
إذا فزعوا طاروا إلى مستغيثهم طوال الرماح لا ضعاف ولا عزل
بخيل عليها جنة عبقرية جديرون يوماً أن ينالوا فيستعلوا
عليها أسود ضاريات لبوسهم سوابع بيض لا تخرقها النبل
¥