فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ

ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[10 صلى الله عليه وسلمug 2008, 03:58 م]ـ

فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ

بقلم: بسام جرار - مركز نون

جاء في الآية 55 من سورة آل عمران:" إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ... ".

تنص الآية الكريمة على أنّ وجود أتباع عيسى، عليه السلام، سيستمر إلى يوم القيامة. وقد التبس ذلك على بعض أهل التفسير فذهبوا إلى القول بأنّ قانون الفوقيّة المنصوص عليه في الآية الكريمة يخص النصارى في مقابلة اليهود. وهذا فهم عجيب يتناقص مع أساسيات العقيدة الإسلامية والتي هي عقيدة المسيح، عليه السلام، وعقيدة الأنبياء والرسل من لدن آدم حتى محمد صلوات الله عليهم جميعاً. فلا يجوز لنا إذن أن نعتبر النصارى اليوم أتباعاً للمسيح عليه السلام.

جاء في الآية 14 من سورة الصف:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ".

يُفهَمُ من الآية الكريمة أنّ دعوة عيسى، عليه السلام، قد نجحت لأنّ الفكرة أصبحت ظاهرة، ولا تكون الفكرة ظاهرة حتى تكون معلنة وغالبة. وينبغي أن لا نخلط بين ظهور الفكرة والظهور المادّي المتمثل بالظهور العسكري مثلاً، لأنّ العبرة بظهور الفكرة وإشراقها في النفوس. والسلطان الحقيقي هو سلطان الفكرة، لأنها المحرك الأساس للأفراد والمجتمعات؛ فلو نظرت اليوم إلى تسلط اليهود على الفلسطينيين في الأرض المقدّسة لوجدت أنّ السلطان الحقيقي هو سلطان الإسلام، لأنّه هو الموجه والمحرك للناس في فلسطين، ولوجدت أنّ الفكرة الصهيونية تعاني من الانحسار والتلاشي في نفوس الكثيرين من اليهود.

جاء في الآية 123 من سورة النحل:" ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ". وجاء في الآية 95 من سورة آل عمران:" قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ". وجاء في الآية 125 من سورة النساء:" وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ".

فنحن إذن من أتباع إبراهيم عليه السلام، وهذا لا يتناقض مع كوننا أتباعاً لمحمد، صلى الله عليه وسلم، لأنّ دين الله واحد، وهي مسيرة واحدة، ولواء واحد مذ رفعه آدم، عليه السلام. أما اختلاف الشرائع فمردّه إلى اختلاف أحوال الأمم والشعوب. بل أنت تجد في شريعة الإسلام اختلافاً في الأحكام الشرعيّة يناسب اختلاف الأحوال؛ فصلاة المسافر تختلف في بعض أحكامها عن صلاة المقيم، وكذلك الأمر في الصيام ... الخ.

فإذا كان محمد، عليه السلام، متّبعاً لملة إبراهيم فلا شك أنّ عيسى، عليه السلام، هو أيضاً مُتّبع لملة إبراهيم، عليه السلام. وإذا كنا أتباعاً لمحمد وإبراهيم، عليهما السلام، فإننا أيضاً أتباعاً لعيسى ولغيره من رسل الله الكرام، صلوات الله عليهم جميعاً. نقول ذلك لنبين أنّ قوله تعالى:" وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ "، يُقصَد به أهل الإيمان الصحيح الذين لم ينقطع وجودهم في الأرض بعد عيسى، عليه السلام، واستمروا يحملون لواء الحق والحقيقة حتى بُعِث الرسول، صلى الله عليه وسلم. وبذلك تستمر مسيرة الحق إلى يوم القيامة. جاء في الحديث الصحيح:" لا تزالُ طائفةٌ من أمتي ظاهرين ... "، وهذا كلام صريح باستمرار ظهور الفكرة إلى أن يرث الله تعالى الأرض وما عليها.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015